الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
يقال قبلت القول إذا حملته على الصدق كذا في المصباح والمراد من يجب قبول شهادته على القاضي ومن لا يجب لا من يصح قبولها ومن لا يصح؛ لأن من جملة ما ذكره ممن لا يقبل الفاسق وهو لو قضي بشهادته صح بخلاف العبد والصبي والزوجة والولد والأصل لكن في خزانة المفتين إذا قضي بشهادة الأعمى أو المحدود في القذف إذا تاب أو بشهادة أحد الزوجين مع آخر لصاحبه أو بشهادة الولد لوالده أو عكسه نفذ حتى لا يجوز للثاني إبطاله وإن رأى بطلانه ا هـ. فالمراد من عدم القبول عدم حله وذكر في منية المفتي اختلافا في النفاد بشهادة المحدود بعد التوبة. (قوله: ولا تقبل شهادة الأعمى)؛ لأن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر وصار كالحدود والقصاص أطلقه فشمل الأعمى وقت الشهادة قبل التحمل أو بعده وما إذا عمى بعد الأداء قبل القضاء؛ لأن المراد بعدم قبولها عدم القضاء بها؛ لأن قيام أهليتها شرط وقت القضاء لصيرورتها حجة عنده وصار كما إذا خرس أو جن أو فسق بخلاف موت الشاهد وغيبته؛ لأن الأهلية بالموت قد انتهت وبالغيبة ما بطلت كذا في الهداية وشمل ما كان طريقه السماع خلافا لأبي يوسف كما في فتح القدير ولزفر وهو مروي عن الإمام كما في الشرح واختاره في الخلاصة وعزاه إلى النصاب جاز ما به من غير حكاية خلاف وأشار المؤلف إلى عدم قبول شهادة الأخرس بالأولى سواء كانت بالإشارة أو بالكتابة وتمامه في شرح ابن وهبان. (قوله: والمملوك والصبي)؛ لأنها من الولاية ولا ولاية لهما على نفسهما فالأولى أن لا يكون لهما على غيرهما ولاية وقدمنا وسيأتي أن ثبوت حرية الشاهد إما بظاهر الدار عند عدم طعن المشهود عليه أو بينة يقيمها الشاهد عند طعن الخصم بخلاف ما إذا طعن بأنه محدود في قذف أو شريك المدعي فإن البينة عليه وقدمنا أن الصبي إذا بلغ فشهد فإنه لا بد من التزكية وكذا الكافر إذا أسلم وأن الكافر إذا عدل في كفره لشهادة ثم أسلم فشهد فإنه يكفي التعديل الأول وفي المحيط البرهاني مات وترك عبدا لا مال له غيره وقيمته ألف ولا يعلم عليه دين فأعتقه الوارث ثم شهد العبد شهادات واستقضى بقضايا ثم أقام رجل البينة على الميت بالدين فإن العبد يرد رقيقا وبطل عتقه وما شهد به فإن أبرأ الغريم الميت جاز العتق لا الشهادة والقضاء وتمامه فيه أطلقه فشمل القن والمكاتب والمدبر وأم الولد كما في الخلاصة ومعتق البعض كالمكاتب والمعتق في المرض كالمكاتب في زمن سعايته لا تقبل شهادته كما في البزازية والمدبر بعد موت مولاه إذا لم يخرج من الثلث في زمن سعايته كالمكاتب عنده وحر مديون عندهما كما في جنايات المجمع والكافي. وفي الكافي من الشهادات رجل مات عن عم وأمتين وعبدين فأعتق العم العبدين فشهدا ببنتية إحداهما بعينها للميت أي أنه أقر بها في حياته وصحته لم تقبل عند أبي حنيفة؛ لأن في قبولها ابتداء بطلانها انتهاء؛ لأن معتق البعض في حكم المكاتب عنده ولا شهادة له وعندهما تقبل؛ لأنه حر مديون ولو شهدا أن الثانية أخت الميت قبل الأولى أو بعدها أو معها لا تقبل بالإجماع؛ لأنا لو قبلنا لصارت عصبة مع البنت فيخرج العم عن الوراثة فيبطل العتق ا هـ. ولم يذكر المؤلف المجنون ولا خفاء في عدم قبولها وفي المحيط ومن يجن ساعة ويفيق ساعة فشهد في حال الصحة تقبل شهادته؛ لأن ذلك بمنزلة الإغماء والإغماء لا يمنع قبول الشهادة وقدر بعض مشايخنا جنونه بيوم أو يومين حتى لو جن يوما أو يومين ثم أفاق فشهادته جائزة في حال الصحة ا هـ. ولم يذكر أيضا المغفل وفي المحيط قال محمد في رجل أعجمي صوام قوام مغفل يخشى عليه أن يلقن فيؤخذ به قال هذا شر من الفاسق في الشهادة وعن أبي يوسف أجيز شهادة المغفل ولا أجيز تعديله؛ لأن التعديل يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير والمغفل لا يستقصي في ذلك ا هـ. ولا بد لصحة القضاء من حصول الحرية للشاهد في نفس الأمر فلو قضى بشهادتهم ثم ظهروا عبيدا بطل القضاء وهي مسألة ظهور خطأ القاضي وفي المحيط البرهاني قضى القاضي بوصاية بينة وأخذ ما على الناس من الديون ثم وجدوا عبيدا فقد برئ الغرماء ولو كان مثله في الوكالة لم يبرءوا. ا هـ. ولم يذكر الفرق وكأنه لكونهم دفعوا له دين الميت بإذن القاضي وإن لم يثبت الإيصاء بمنزلة إذنه لهم في الدفع إلى أمينه بخلاف الوكالة إذ لا يصح إذنه للغريم بدفع دين الحي إلى غيره. (قوله: إلا أن يتحملا في الرق والصغر وأديا بعد الحرية والبلوغ)؛ لأنهما أهل للتحمل؛ لأن التحمل بالشهادة والسماع ويبقى إلى وقت الأداء بالضبط وهما لا ينافيان ذلك وهما أهل عند الأداء وأشار إلى أن الكافر إذا تحملها على مسلم ثم أسلم فأداها تقبل كما في فتح القدير وأطلقه فشمل ما إذا لم يؤدها إلا بعد الأهلية أو أداها قبلها فردت ثم زالت العلة فأداها ثانيا ولذا قال في الخلاصة ومتى ردت شهادة الشاهد لعلة ثم زالت العلة فشهد في تلك الحادثة لا تقبل إلا في أربعة العبد والكافر على المسلم والأعمى والصبي إذا شهدوا فردت ثم زال المانع فشهدوا في تلك الحادثة فإنه تقبل ا هـ. فعلى هذا لا تقبل شهادة الزوج والأجير والمغفل والمتهم والفاسق بعد ردها وإدخال أحد الزوجين مع الأربعة كما في فتح القدير سهو ولا بد من حكم القاضي برد شهادته كما سيأتي وأطلق في تحمل العبد فشمل ما إذا تحملها لمولاه ثم أداها بعد عتقه كما في فتح القدير وأراد بالحرية الحرية النافذة وإنما قيدنا به لما في البزازية أعتق عبده في مرض موته ولا مال له غيره ثم شهد هذا لا تقبل عند الإمام؛ لأن عتقه موقوف ا هـ. وفي السراجية إذا طعن المدعى عليه في الشهود أنهم عبيد فعلى المدعي إقامة البينة على حريتهم ولو قال هما محدودان في القذف فعلى الطاعن إقامة البينة. (قوله: والمحدود في قذف ولو تاب) لا تقبل شهادته لقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} ولأنه من تمام الحد لكونه مانعا فيبقى بعد التوبة كأصله بخلاف المحدود في غيره لأن الرد للفسق وقد ارتفع بالتوبة والاستثناء في الآية ينصرف إلى ما يليه وهو قوله تعالى: {وأولئك هم الفاسقون} أو هو استثناء منقطع بمعنى لكن كذا في الهداية وفي التحرير الأوجه أنه متصل وقرره في التلويح بأن المعنى أولئك الذين يرمون المحصنات محكوم عليهم بالفسق إلا التائبين، وأما رجوع الاستثناء إلى الكل في آية المحاربين فلدليل اقتضاه وهو قوله: {من قبل أن تقدروا عليهم} فإنه لو عاد إلى الأخير أعني قوله لهم عذاب عظيم لم يبق له فائدة؛ لأن التوبة تسقطه مطلقا ففائدته سقوط الحد وتمامه في فتح القدير وفي البدائع كل فاسق تاب عن فسقه قبلت توبته وشهادته إلا اثنين المحدود في القذف والمعروف بالكذب؛ لأن من صار معروفا بالكذب واشتهر به لا يعرف صدقه من توبته بخلاف الفاسق إذا تاب عن سائر أنواع الفسق فإن شهادته تقبل ا هـ. وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن شهادته لا تسقط ما لم يضرب تمام الحد وهو صريح المبسوط؛ لأن المحدود من ضرب الحد أي تماما؛ لأن ما دونه يكون تعزيرا غير مسقط لها ولو قال المؤلف إن لم يقم بينة على صدقه لكان أولى لأنه لو أقام أربعة بعدما حد على أنه زنى قبلت شهادته بعد التوبة في الصحيح لأنه لو أقامها قبله لم يحد فكذا لا ترد شهادته كذا ذكر الشارح وتمامه في العتابية وإنما قيد بقوله على أنه زنى؛ لأنه لو أقام بينة على إقرار المقذوف بالزنا لا يشترط أن يكونوا أربعة لما في فتح القدير من باب حد القذف فإنه شهد رجلان أو رجل وامرأتان على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ الحد عن القاذف؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة إلى آخره فكذا إذا أقام رجلين بعد حده على إقراره بالزنا تعود شهادته كما لا يخفى ثم اعلم أن الضمير في قوله لهم عندنا عائد إلى المحدودين وعند الشافعي إلى القاذفين العاجزين عن الإثبات كما ذكره الفخر الرازي فلو لم يحد تقبل شهادته عندنا خلافا قاله ولو قذف رجلا ثم شهد مع ثلاثة على أنه زنى فإذا كان حد لم يحد المشهود عليه وإن لم يحد القاذف حد المشهود عليه كذا في البزازية. (قوله: إلا أن يحد الكافر في قذف ثم أسلم) يعني فتقبل ولو كان محدودا في قذف؛ لأن للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد وبالإسلام حدثت شهادة أخرى وليس المراد أنها تقبل بعد إسلامه في حق المسلمين فقط قال المؤلف في الكافي فإن أسلم قبلت شهادته عليهم وعلى المسلمين ضرورة وتمامه في العتابية قيد بالكافر؛ لأن العبد إذا حد حد القذف ثم عتق حيث ترد شهادته؛ لأنه لا شهادة للعبد أصلا في حال رقه فيتوقف الرد على حدوثها فإذا حدث كان رد شهادته بعد العتق من تمام حده وظاهر كلام المؤلف أنه أسلم بعدما ضرب تمام الحد فلو أسلم بعدما ضرب بعضه فضرب الباقي بعد إسلامه ففيه ثلاث روايات في ظاهر الرواية لا تبطل شهادته على التأبيد فإذا تاب قبلت وفي رواية تبطل إن ضرب الأكثر بعد إسلامه وفي رواية ولو سوطا كذا في السراج الوهاج ووضع هذه المسألة يدل على أن الإسلام لا يسقط حد القذف وهل يسقط شيئا من الحدود قال الشيخ عمر قارئ الهداية إذا سرق الذمي أو زنى ثم أسلم فإن ثبت عليه ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه وإن ثبت بشهادة أهل الذمة فأسلم سقط عنه الحد ا هـ. وينبغي أن يقال كذلك في حد القذف وفي اليتيمة من كتاب السير أن الذمي إذا وجب التعزير عليه فأسلم لم يسقط عنه ولم أر حكم الصبي إذا وجب التعزير عليه للتأديب فبلغ ونقل الفخر الرازي عن الشافعية سقوطه لو لزجره بالبلوغ ومقتضى ما في اليتيمة أنه لا يسقط إلا أن يوجد نقل صريح. (قوله: والولد لأبويه وجديه وعكسه) أي لم تقبل شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه للحديث ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة ولهذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم فتكون شهادة لنفسه من وجه وأطلق الولد فشمل الولد من وجه فلا تقبل شهادة ولد الملاعن لأصوله أو هو له أو لفرعه لثبوته من وجه بدليل صحة دعوته منه وعدمها من غيره وتحرم مناكحته ووضع الزكاة فيه فأحكام البنوة ثابتة له إلا الإرث والنفقة من الطرفين كولد العاهر ولو باع أحد التوأمين وقد ولدا في ملكه وأعتقه المشتري فشهدا لبائعه تقبل فإن ادعى الباقي ثبت نسبهما وانتقض البيع والعتق والقضاء ويرد ما قبض أو مثله إن هلك للاستناد لتحويل العقد وإن كان القضاء قصاصا في طرف أو نفس فأرشه عليه دون العاقلة وتمامه في تلخيص الجامع من باب شهادة ولد الملاعنة ولا تقبل شهادة ولد أم الولد المنفي من السيد ولا يعطيه الزكاة كولد الحرة المنفي باللعان كذا في المحيط البرهاني. وفي فتح القدير تجوز شهادته لابنه رضاعا وفي خزانة الأكمل شهد ابناه أن الطالب أبرأ أباهما واحتال بدينه على فلان لم تجز إذا كان الطالب منكرا وإن كان المال على غير أبيهما فشهدوا أن الطالب أحال به أباهما والطالب ينكر والمطلوب يدعي البراءة والحوالة جازت ا هـ. وفي المحيط البرهاني إذا شهدا على فعل أبيهما فعلا ملزما لا تقبل إذا كان للأب فيه منفعة اتفاقا وإلا فعلى قولهما لا تقبل وعن محمد روايتان فلو قال إن كلمك فلان فأنت حر فادعى فلان أنه كلمه وشهد ابناه به لم تقبل عندهما وكذا إذا علق عتقه بدخوله الدار ولو أنكر الأب جازت شهادتهما وكذا الحكم في كل شيء كان من فعل الأب من نكاح أو طلاق أو بيع وإن شهد ابنا الوكيل على عقد الوكيل فهو على ثلاثة أوجه: الأول أن يقر الموكل والوكيل بالأمر والعقد وهو على وجهين فإن ادعاه الخصم قضى القاضي بالتصادق لا بالشهادة وإن أنكر فعلى قولهما لا تقبل ولا يقضي بشيء إلا في الخلع فإنه يقضي بالطلاق بغير مال لإقرار الزوج به وهو الموكل وعن محمد يقضي بالعقد إلا بعقد ترجع حقوقه إلى العاقد كالبيع. الثاني أن ينكر الوكيل والموكل فإن جحد الخصم لا تقبل وإلا تقبل اتفاقا. الثالث أن يقر الوكيل بهما ويجحد الموكل العقد فقط فإن ادعاه الخصم يقضي بالعقود كلها إلا النكاح على قول أبي حنيفة وتمامه فيه وقيد بالشهادة لهم لأن الشهادة على أصله وفرعه مقبولة إلا إذا شهد الجد على ابنه لابن ابنه قلنا إنها لا تقبل لوجود المانع من المشهود له وفي المحيط قال محمد رجل شهد لابن ابنه على أبيه؛ لأنه حين شهد عليه لم يصر جدا لولده بل يصير جدا بعد حكم الحاكم بشهادته فحينئذ يصير جدا بموجب الشهادة والشيء لا ينفي موجب نفسه ا هـ. وهذا التعليل يفيد أن الكلام في شهادة الأب على إقرار ابنه بأن ما ولدته زوجته ابنه لا في الأموال والأول في الأموال وفي الولوالجية وتجوز شهادة الابن على أبيه بطلاق امرأته إذا لم تكن لأمه أو لضرتها؛ لأنها شهادة على أبيه وإن كان لأمه أو لضرتها لا تجوز لأنها شهادة لأمه ذكره في فصل الشهادة من الطلاق وذكر في القضاء من الفصل الرابع رجل شهد عليه بنوه أنه طلق أمهم ثلاثا وهو يجحد فإن كانت الأم تدعي فالشهادة باطلة وإن كانت تجحد فالشهادة جائزة لأنها إذا كانت تدعي فهم يشهدون لأمهم؛ لأنهم يصدقون الأم فيما تدعي ويعيدون البضع إلى ملكها بعدما خرج عن ملكها، وأما إذا كانت تجحد فيشهدون على أمهم؛ لأنهم يكذبونها فيما تجحد ويبطلون عليها ما استحقت من الحقوق على زوجها من القسم والنفقة وما يحصل لها من منفعة عود بضعها إلى ملكها فتلك منفعة مجحودة يشوبها مضرة فلا تمنع قبول الشهادة ا هـ وهذه من مسائل الجامع الكبير وأورد عليه أن الشهادة بالطلاق شهادة بحق الله تعالى فوجود دعوى الأم وعدمها سواء لعدم اشتراطها وأجيب بأنه مع كونه حقا لله تعالى فهو حقها أيضا لم تشترط الدعوى للأول واعتبرت إذا وجدت مانعة من القبول للثاني عملا بهما وفي المحيط البرهاني معزيا إلى فتاوى شمس الإسلام الأوزجندي أن الأم إذا ادعت الطلاق تقبل شهادتهما قال وهو الأصح؛ لأن دعواها لغو قال مولانا وعندي أن ما ذكره في الجامع أصح ا هـ. ويتفرع على هذا مسائل ذكرها ابن وهبان في شرحه: الأولى شهدا أن امرأة أبيهما ارتدت وهي تنكر فإن كانت أمهما حية لم تقبل ادعت أو أنكرت لانتفاعها وإلا فإن ادعى الأب لم تقبل وإلا قبلت. الثانية طلق امرأته قبل الدخول ثم تزوجها فشهد ابناه أنه طلقها في المدة الأولى ثلاثا ثم تزوجها بلا محلل فإن كان الأب يدعي لا تقبل وإلا قبلت. الثالثة شهد ابناه على الأب أنه خلع امرأته على صداقها فإن كان الأب يدعي لا تقبل دخل بها أو لا وإلا تقبل ادعت أو لا. الرابعة شهد ابنا الجارية الحران أن مولاها أعتقها على ألف درهم فإن كانت تدعي لا تقبل وإلا فتقبل وإن شهد ابنا المولى وهو يدعي لم تقبل وعتقت لإقراره بغير شيء وإلا تقبل بخلاف ما إذا شهدا على عتق أبيهما بألف فإنها لا تقبل مطلقا لأن دعواه شرط عنده ولو شهد ابنا المولى فإن ادعى المولى لم تقبل وإن جحد وادعى الغلام تقبل ويقضي بالعتق وبوجوب المال وإن أنكر لم تقبل. الخامسة جارية في يد رجل ادعت أنه باعها من فلان وأن فلانا الذي اشتراها أعتقها والمشتري يجحد فشهد ابنا ذي اليد بما ادعت الجارية فإن ادعى الأب لم تقبل وإلا تقبل ا هـ. وهذه كلها مسائل الجامع الكبير ذكرها الصدر سليمان الشهيد في باب من الشهادات وزاد قالت بعتني منه وأعتقني وشهد ابنا البائع إن ادعى لا تقبل وعتقت بإقراره وإن كذبه قبلت وثبت الشراء والعتق؛ لأنه خصم كالشفيع في يده جارية قال بعتها من فلان بألف وقبضها وباعها مني بمائة دينار وشهد ابنا البائع يقضي بالبيعين وبالثمنين وعند محمد يشترط تصديقه ولا يحبس به وإن ادعى الأب لا تقبل ويسلم له بإقراره إلى آخر ما فيه وفي البزازية وفي المنتقى شهدا على أن أباهما القاضي قضى لفلان على فلان بكذا لا تقبل والمأخوذ أن الأب لو كان قاضيا يوم شهد الابن على حكمه تقبل ولو شهد الابنان على شهادة أبيهما تجوز بلا خلاف وكذا على كتابه ا هـ. ثم قال قضاء القاضي بشهادة ولده وحافده يجوز وفي الخانية ولو ولدت ولدا وادعت أنه من زوجها وجحد زوجها ذلك فشهد على أبيه وابنه أن الزوج أقر أن هذا ولده من هذه المرأة قال في الأصل جازت شهادتهما ولو ادعى الزوج ذلك والمرأة تجحد فشهد عليها أبوها أنها ولدت وأنها أقرت بذلك اختلف فيه الرواية. ا هـ. (قوله: وأحد الزوجين للآخر) أي لم تقبل شهادته للحديث ولأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود فيصير شاهدا لنفسه من وجه أو يصير منهما وفي الخانية وإن شهد الرجل لامرأة بحق ثم تزوجها بطلت شهادته ولو شهد لامرأته وهو عدل ولم يرد الحاكم شهادته حتى طلقها بائنا وانقضت عدتها روى ابن شجاع أن القاضي ينفذ شهادته ا هـ. وبه علم أن الزوجية إنما تمنع منها وقت القضاء لا وقت الأداء ولا وقت التحمل وفي البزازية ولو وكلت امرأة القاضي وكيلا بالخصومة ثم طلقها وانقضت عدتها وقضى لوكيلها يجوز وكذا وكيل مكاتبه إذا عتق قبل القضاء والحاصل أنه لا بد من انتقاء التهمة وقت القضاء ا هـ. وأما في باب الرجوع في الهبة فهي مانعة منه وقت الهبة لا وقت الرجوع فلو وهب لأجنبية ثم نكحها فله الرجوع بخلاف عكسه كما سيأتي وفي باب إقرار المريض الاعتبار لكونها زوجة وقت الإقرار فلو أقر لأجنبية ثم نكحها ومات وهي زوجة صح وفي باب الوصية الاعتبار لكونها زوجة وقت الموت لا وقت الوصية وأطلق في الزوجة فشمل الأمة قال في الأصل لا تقبل شهادة زوج لزوجته وإن كانت أمة؛ لأن لها حقا في المشهود به كذا في البزازية وقيد بقوله له؛ لأن شهادته عليها مقبولة إلا في مسألتين الأولى قذفها الزوج ثم شهد عليها بالزنا مع ثلاثة لم تقبل وهي في المحيط الرضوي وقدمناها في الحدود الثانية شهد الزوج وآخر بأنها أقرت بالرق لفلان وهو يدعي ذلك لم تقبل ولو قال المدعي أنا أذنت لها في نكاحه إلا إذا كان دفع لها المهر بإذن المولى كذا في النوازل وشمل الزوجة من وجه وهي المعتدة عن الطلاق ولو ثلاثا كما في القنية والبزازية ثم اعلم أن من لا تقبل شهادته له لا يجوز قضاؤه فلا يقضي لأصله وإن علا ولا لفرعه وإن سفل ولو وكيل من ذكرنا كما في قضائه لنفسه كما في البزازية ومنها أيضا اختصم رجلان عند القاضي ووكل أحدهما ابن القاضي أو من لا تجوز شهادته له فقضى القاضي لهذا الوكيل لا يجوز فإن قضى عليه يجوز وفي الخزانة وكذا لو كان ولده وصيا فقضى له ولو كان القاضي وصي اليتيم لم يجز قضاؤه في أمر اليتيم ولو كان القاضي وكيلا لم يجز قضاؤه لموكله وتمامه فيها وفي تلخيص الجامع. (قوله: والسيد لعبده ومكاتبه) لأنها شهادة لنفسه من كل وجه إن لم يكن عليه دين ومن وجه إن كان عليه دين؛ لأن الحال موقوف مراعى وفي منية المفتي شهد العبد لمولاه فردت ثم شهد بها بعد العتق تقبل ولو شهد المولى لعبده بالنكاح فردت ثم شهد له بعد العتق لم يجز لأن المردود كان شهادة وكذا الصبي أو المكاتب إذا شهد فردت ثم شهد بها بعد البلوغ والعتق جازت؛ لأن المردود لم يكن شهادة. ا هـ. (قوله: والشريك لشريكه فيما هو من شركتهما) أي لم تقبل شهادته؛ لأنه شهادة لنفسه من وجه لاشتراكهما قيد بما هو من شركتهما لجوازها بما ليس من شركتهما لانتفاء التهمة وأطلقه فشمل شركة الأملاك وشركة العقود عندنا ومفاوضة ووجوها وصنائع وخصصه في النهاية بشريك العنان قال وأما شهادة أحد المفاوضين لصاحبه فلا تقبل إلا في الحدود والقصاص والنكاح؛ لأن ما عداها مشترك بينهما وتبعه في العناية والبناية وزاد في فتح القدير على الثلاثة الطلاق والعتاق وطعام أهله وكسوتهم وتعقبه الشارح بأنه سهو فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير ولا يدخل فيه العقار ولا العروض ولهذا قالوا لو وهب لأحدهما مال غير الدراهم والدنانير لا تبطل الشركة؛ لأن المساواة فيه ليست بشرط ا هـ. وما ذكره في النهاية هو صريح كلام محمد في الأصل كما ذكره في المحيط البرهاني ثم قال وشهادة أحد شريكي العنان فيما لم يكن من تجارتهما مقبولة لا فيما كان منها ولم يذكر هذا التفصيل في المفاوضة؛ لأن العنان قد يكون خاصا وقد يكون عاما، وأما المفاوضة فلا تكون إلا في جميع الأموال وقد عرف ذلك في كتاب الشركة وعلى قياس ما ذكره شيخ الإسلام في كتاب الشركة أن المفاوضة تكون خاصة يجب أن تكون المفاوضة على التفصيل الذي ذكرنا في العنان ا هـ. وشمل كلام المؤلف ما إذا شهدا أن لهما ولفلان على هذا الرجل ألف درهم فهي على ثلاثة أوجه: الأول أن ينصا على الشركة فلا تقبل. الثاني أن ينصا على قطع الشركة بأن قالا نشهد أن لفلان على هذا خمسمائة بسبب على حدة ولنا عليه ضمانه بسبب على حدة فتقبل. الثالث أن يطلقا فلا تقبل لاحتمال الاشتراك ولو كان لواحد على ثلاثة دين فشهد اثنان أن الدائن أبرأهما وفلان عن الألف فإن كانوا كفلاء لم تقبل وإلا فإن شهدوا بالإبراء بكلمة واحدة فكذلك وإلا تقبل كذا في المحيط البرهاني وأشار المؤلف رحمه الله إلى قاعدة في الشهادات وهي أن كل شهادة جرت مغنما أو دفعت مغرما لم تقبل للتهمة فلا تقبل شهادة المستأجر للأجير بالمستأجر والمستعير للمعير بالمستعار وشهادة الأجير الخاص كأجير المياومة والمشاهرة لا العام كالخياط لمن استأجره فتقبل ولا تقبل شهادة ذابح الشاة المأمور بذبحها لمدعيها على غاصبها ولا شهادة ابن البائع على أن الشفيع طلب الشفعة من المشتري ولا شهادة المودع بها وتقبل شهادة الوكيل بالنكاح بالطلاق والوكيل بالشراء بالعتق وشهادة ابن البائع على الشفيع بتسليم الشفعة إلى المشتري ولا تقبل على أن المشتري سلمها إلى الشفيع ولا تقبل شهادة البائع على أن المشتري أعتق العبد ولا شهادة المعتق بقدر الثمن إذا اختلفا وتقبل إذا شهد بإيفاء الثمن أو إبراء البائع. ولا تقبل شهادة المودع والمستعير والمستأجر للمدعي قبل الرد وتقبل شهادة المرتهن ولو شهد المودع أو المستأجر للعبد بإعتاق مولاه أو تدبيره أو كتابته عند دعواه جازت لا ببيعه وتمام تفريعاته في المحيط وهنا مسائل متفرعة على عدم شهادة الشريك لشريكه: الأولى شهدا أن زيدا أوصى بثلث ماله لقبيلة بني فلان وهما من تلك القبيلة صحت ولا شيء لهما منها. الثانية لو أوصى لفقراء جيرانه وهما منهم فالحكم كذلك. الثالثة لو أوصى لفقراء بيته أو لأهل بيته وهما منهم لم يصح ولو كانا غنيين صحت والفرق بين الأوليين والثالثة أنه يجوز فيهما تخصيص البعض منهم بخلافه في الثالثة. الرابعة لو أوصى لفقراء جيرانه فشهد من له أولاد محتاجون منهم لم تقبل مطلقا في حق الأولاد وغيرهم والفرق بينهما وبين أولادهما أن المخاطب لم يدخل تحت عموم خطابه فلم يتناولهما الكلام بخلاف الأولاد فإنهم داخلون تحت الشهادة وإنما أدخلنا المتكلم في مسألة الشهادة لفقراء أهل بيته باعتبار أنهم يحصون بخلاف فقراء جيرانه وبني تميم وذكر قاضي خان في فتاواه من الوقف لو شهدا أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه وهما منهم جازت ولو على فقراء قرابته لا قال الناطفي في الفرق إن القرابة لا تزول والجواز يزول فلم يكن شهادة لنفسه لا محالة ا هـ. وأهل بيت الإنسان لا يزول عنهم الاسم؛ لأنهم أقاربه الذين في عياله فلهذا لم تقبل فيها ولكن يشكل بمسألة قبيلة فإن الاسم عنهم لا يزول مع قبولها ولكن لا يدخلون ويمكن الفرق بين الوصية والوقف بما أشار إليه ابن الشحنة وقال قاضي خان عقب ما نقلته عنه فعلى هذا شهادة أهل المدرسة بوقفها جائزة وقال في موضع آخر. وأما أصحاب المدرسة إذا شهدوا بالوقف على المدرسة قال بعضهم إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا من ذلك لا تقبل وإلا تقبل قياسا على مسألة الشفعة لو شهد بعض الشفعاء بالبيع فإن كان لا يطلبها تقبل قال رضي الله تعالى عنه وعندي هذا يخالف الشفعة؛ لأن حق الشفعة مما يحتمل الإبطال أما الوقف على المدرسة من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فإنه إذا قال أبطلت حقي كان له أن يطلب ويأخذ بعد ذلك فكان شاهدا لنفسه فيجب أن لا تقبل ا هـ. وتعقبه الطرسوسي بقوله فيه نظر؛ لأن الفقيه من أهل المدرسة يمكنه أن يعزل نفسه فلا تبقى له وظيفة أصلا فكيف يقول لا يمكنه إبطاله ورده ابن وهبان بأن هذا الاعتراض ليس بشيء فإن الواقف إذا وقف على من اتصف بصفة الفقه والفقر مثلا والإقامة استحق من اجتمعت فيه شرائط الوقف ولا اعتبار بعزله نفسه بل لو عزل نفسه في كل يوم مائة مرة ثم طلب أخذ كالوقف على الابن إذا عزل نفسه من الوقف فإنه لا ينعزل وصاحب الفوائد لم يفهم هذا من كلام قاضي خان بل جرى على عادة أوقاف المدارس في بلادنا فإن الواقف يجعل النظر فيه إلى الحاكم مثلا أو إلى الناظر ويجعل له ولاية العزل والتقرير والإعطاء والحرمان من اتصف بصفة الفقه على مذهب من المذاهب فحينئذ إذا أبطل ذلك حقه وعزل نفسه صح وليس له العود إلا أن يقرره الحاكم أو من له ولاية التقرير وليس كلام قاضي خان في ذلك بل كلامه فيمن وقف الواقف عليه وذلك يستحق ما وقف عليه الواقف ولا يبطل بإبطاله له ا هـ. وفيما قال نظر لي؛ لأن الواقف إذا وقف على الفقهاء مثلا فإن الفقيه لا يستحق في ذلك الريع إلا بالتقرير ممن له ولايته وكذا على الفقراء لا أنه يستحق من كان فقيها أو فقيرا مطلقا كما توهمه ابن وهبان لأن الفقيه والفقير الطالب لم يتعينا ولا يمكن أن ينصرف إلى كل فقيه وكل فقير وإنما هو للجنس ويتعين بالتقرير فالحق أن من أسقط حقه من وظيفة تقرر فيها فإنه يسقط حقه سواء كان الوقف على جنس الفقهاء أو على عدد معين منهم كما هو في أوقاف القاهرة وإن أسقط حقه من وقف على الفقهاء والفقراء بلا تعيين ولم يقرر في وقفهم لم يصح لعدم تعينه فللناظر أن يقرره بعده ويعطيه ما خصه؛ لأنه يطلب ويأخذ بلا تقرير فمعنى الاستحقاق الذي لا يبطل بالإبطال في كلام قاضي خان جواز أن يقرر بعد إبطاله ويعطي بعده من وقف على الفقهاء ومعنى قول الطرسوسي أنه يبطل بعزله نفسه إذا كان بعد تقريره وليس هذا كالوقف على الابن كما توهمه ابن وهبان؛ لأن استحقاق الابن لا يتوقف على تقرير بخلاف استحقاق الفقيه كما لا يخفى بقي من جنس المسائل السابقة مسألة لو شهدا على وقف في مكتب فيه أولادهم. قيل يصح وقيل لا والأظهر الصحة؛ لأن كون أولادهم في المكتب غير لازم فلا تكون شهادتهم لهم كشهادة أهل المدرسة وفي وقف الظهيرية بعد أن ذكر مسألة المدرسة وشهادة أهلها وشهادة أهل المحلة في وقف على المحلة ما نصه وكذلك الشهادة على وقف مكتب وللشاهد صبي في المكتب لا تقبل قيل وفي هذه المسائل كلها تقبل وهو الصحيح ا هـ. وهكذا صحح القبول في البزازية في مسألة المكتب وشهادة أهل المحلة في وقف المسجد وشهادة الفقهاء على وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهل تلك المدرسة والشهادة على وقف المسجد الجامع وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا بوقف على أبناء السبيل إلى آخره فالمعتمد القبول في الكل وذكر ابن الشحنة بعده تنبيها ومن هذا النمط مسألة قضاء القاضي في وقف تحت نظره أو هو مستحق فيه ا هـ. قلت (تنبيه) الكلام كله في شهادة الفقهاء بأصل الوقف لقولهم شهادة الفقهاء على وقفية وقف أما شهادة المستحق فيما يرجع إلى الغلة كشهادته بإجارة ونحوها لم تقبل؛ لأن له حقا في المشهود به فكان متهما فكان داخلا في شهادة الشريك لشريكه فهو نظير شهادة أحد الدائنين لشريكه بدين مشترك بينهما وقد كتبت في حواشي جامع الفصولين من الفصل الثالث عشر أن شهادة شهود الأوقاف المقررين في وظائف الشهادة بما يرجع إلى الغلة غير مقبولة لما ذكرنا وكون القاضي قرره شاهدا للوقف موافقا للشرط لا يوجب قبولها فإن قلت فحينئذ لا فائدة لوظيفته؛ لأن المتولي مقبول القول في الدخل والخرج بلا بيان وقد فرض أنه لا تقبل شهادته فيما يرجع إلى الغلة قلت فائدته إسقاط التهمة عن المتولي إذا شهد له الشاهد بالدخل والخرج فلا يحلفه القاضي إذا اتهمه. ا هـ. ويقويه قولهم إن البينة تقبل لإسقاط اليمين كالمودع إذا ادعى الرد أو الهلاك فالقول له مع اليمين فإن برهن فلا يمين وإنما أطلنا في هذا الموضع لكثرة الاحتياج إليه في زماننا والفقه محتاج إليه كله ولا يمله أهل التحصيل ولم يذكر المؤلف شهادة الأجير والتلميذ وحاصل ما ذكره شارحو الهداية أن شهادة التلميذ لأستاذه لا تقبل وفسروه بمن يعد ضرر أستاذه ضرره ونفعه نفعه وفسره في الخلاصة بالذي يأكل مع عياله في بيته وليس له أجرة خاصة، وأما الأجير فإن كان خاصا لم تقبل وإلا قبلت وفي المحيط ادعى دارا فشهد له من استأجره للبناء تقبل ولو شهد له بها من استأجره لهدمها لا ا هـ. ولم يذكر شهادة الدائن لمديونه وفي الهداية أنها مقبولة وإن كان مفلسا وفي المحيط لا تقبل بدين له بعد موته وهنا مسائل أخرى: الأولى ثلاثة قتلوا رجلا فشهد اثنان منهم على أن الولي عفا عن الثالث تقبل عند محمد لا عند أبي يوسف. الثانية ثلاثة عليهم دين شهد اثنان منهم على الدائن بإبراء الثالث فعلى الخلاف إن كانا لم يقبضا وإلا فلا اتفاقا. الثالثة شهد اثنان من الورثة على الباقي بأن هذا ابن الميت تقبل. الرابعة شهد الكفيلان بالعهدة على البائع بأنه قبض الثمن أو أبرأ المشتري منه لم تقبل كما في الخانية واعلم أن في مسألة الشهادة بالعفو لو شهدوا أنه عفا عنا قال الحسن تقبل إذا قال اثنان منهم عفا عنا وعن هذا الواحد فتقبل في حق الكل وقال أبو يوسف تقبل في حق الواحد وهي في الخانية ونظير هذه ما في الخانية أيضا لو قال إن دخل داري أحد فعبدي حر فشهد ثلاثة أنهم دخلوها قال أبو يوسف إن قالوا دخلناها جميعا لا تقبل وإن قالوا دخلنا ودخل هذا تقبل وسأل الحسن ابن أبي يوسف عنها فقال: إن شهد ثلاثة بأنا دخلناها جميعا تقبل وإن شهد اثنان لا تقبل فقال له الحسن أصبت وخالفت أباك ا هـ. (قوله: والمخنث) أي لا تقبل شهادته ومراده المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فاسق فأما الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسر فهو مقبول الشهادة كذا في الهداية وفي المغرب المخنث في عرف الناس هو الذي يباشر الرديء من الأفعال أي أفعال النساء من التزين بزينتهن والتشبه بهن في الفعل والقول فالفعل مثل كونه محلا للواطة والقول مثل تليين كلامه باختياره تشبيها بالنساء كذا في البناية وفي فتح القدير من أبواب الإمامة المخنث بكسر النون وفتحها فإن كان الأول فهو بمعنى المتكسر في أعضائه المتلين في كلامه تشبيها بالنساء وإن كان الثاني فهو الذي يعمل به لواطة. ا هـ. (قوله: والمغنية والنائحة) لارتكابهما محرما لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية أي صوت النائحة والمغنية ووصف الصوت بصوت صاحبه أطلق المغنية فشمل ما إذا كانت تغني وحدها؛ لأن رفع صوتها حرام بخلاف الرجل قيده بأن يغني للناس وأطلق النائحة وهي مقيدة بالتي تنوح في مصيبة غيرها لارتكابها الحرام طمعا في المال فتقبل شهادة النائحة في مصيبتها وفي القاموس ناح الرجل بكى واستبكى غيره. (قوله: والعدو إن كانت عداوة دنيوية) أي لم تقبل شهادة العدو لأجل الدنيا؛ لأن المعاداة لأجلها حرام فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه قيد بكونها دنيوية للاحتراز عما إذا كانت دينية فإنها لا تمنع؛ لأنها تدل على كمال دينه وعدالته وهذا؛ لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرا شرعا ولم ينته بنهيه بدليل قبول شهادة المسلم على الكافر مع ما بينهما من العداوة الدينية والمقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والزوج على امرأته بالزنا ذكره ابن وهبان وفي خزانة المفتين والعدو من يفرح بحزنه ويحزن لفرحه وقيل يعرف بالعرف ا هـ. ومثال العداوة الدنيوية أن يشهد المقذوف على القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع وفي إدخال الزوج هنا نظر فقد صرحوا بقبول شهادته عليها بالزنا إلا إذا قذفها أولا وإنما المنع مطلقا قول الشافعي وفي بعض الفتاوى وتقبل شهادة الصديق لصديقه ا هـ. ثم اعلم أن المصرح به في غالب كتب أصحابنا والمشهور على ألسنة فقهائنا ما ذكره المصنف من التفصيل ونقل في القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة وهو الصحيح وعليه الاعتماد وما في الواقعات وغيرها اختيار المتأخرين، وأما الرواية المنصوصة فبخلافها وفي كنز الرءوس شهادة العدو على عدوه لا تقبل؛ لأنه منهم وقال أبو حنيفة تقبل إذا كان عدلا قال أستاذنا وهو الصحيح وعليه الاعتماد؛ لأنه إذا كان عدلا تقبل شهادته وإن كان بينهما عداوة بسبب أمر الدنيا. ا هـ. واختاره ابن وهبان ولم يتعقبه ابن الشحنة لكن الحديث شاهد لما عليه المتأخرون كما رواه أبو داود مرفوعا: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه» والغمر الحقد ويمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد فسق للنهي عنه وقد ذكر ابن وهبان رحمه الله تنبيهات حسنة لم أرها لغيره: الأول الذي يقتضيه كلام صاحب القنية والمبسوط أنا إذا قلنا إن العداوة قادحة في الشهادة تكون قادحة في حق جميع الناس لا في حق العدو فقط وهو الذي يقتضيه الفقه فإن الفسق لا يتجزأ حتى يكون فاسقا في حق شخص عدلا في حق آخر ا هـ. قلت: ولهذا لم يقل المؤلف على عدوه بل أطلقه. الثاني لو ادعى شخص عداوة آخر يكون مجرد دعواه اعترافا منه بفسق نفسه ولا يكون ذلك قادحا في عدالة المدعي أنه عدو ما لم يثبت المدعي أنه عدو له. الثالث لو قضى القاضي بشهادة العدو على عدوه أو على غير عدوه هل يصح أو لا؟ إن قلنا إن المانع من قبول الشهادة هو الفسق فيكون حينئذ صحيحا نافذا؛ لأن القاضي إذا قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه ويصح وإن قلنا إنه لمعنى آخر أقوى من الفسق لا يصح في حق العدو ويصح في حق غيره وذكر ابن الكمال في إصلاح الإيضاح أن شهادة العدو لعدوه جائزة عكس شهادة الأصل لفرعه ا هـ. وهذا يدل على أنها إنما لم تقبل للتهمة لا للفسق. الرابع قد يتوهم بعض المتفقهة والشهود أن كل من خاصم شخصا في حق وادعى عليه حقا أنه يصير عدوه فيشهد بينهما بالعداوة وليس كذلك بل العداوة إنما تثبت بنحو ما ذكرت نعم لو خاصم الشخص آخر في حق لا تقبل شهادته عليه في ذلك الحق كالوكيل لا تقبل شهادته فيما هو وكيل فيه ونحو ذلك لا أنه إذا تخاصم اثنان في حق لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر لما بينهما من المخاصمة. ا هـ. قلت ويدل له ما في فتاوى قاضي خان من باب ما يبطل دعوى المدعي رجل خاصم رجلا في دار أو في حق ثم إن هذا الرجل شهد عليه في حق آخر جازت شهادته إذا كان عدلا ا هـ. واعلم أنه لو شهد على رجل آخر فخاصمه في شيء قبل القضاء لا يمتنع القضاء بشهادته إلا إذا ادعى أنه دفع له كذا لئلا يشهد عليه وطلب الرد وأثبت دعواه ببينة أو إقرار أو نكول فحينئذ بطلت شهادته وهو جرح مقبول كما صرحوا به وسيأتي في بيان الجرح. الخامس إذا قلنا لا تجوز شهادة العدو على عدوه إذا كانت دنيوية هل الحكم في القاضي كذلك حتى لا يجوز قضاء القاضي على من بينه وبينه عداوة دنيوية لم أقف عليه في كتب أصحابنا وينبغي أن يكون الجواب فيه على التفصيل إن كان قضاؤه عليه بعلمه ينبغي أن لا ينفذ وإن كان بشهادة العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب خصم شرعي ينبغي أن ينفذ وفرق الماوردي من الشافعية بينهما بأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية ا هـ. (قوله: ومدمن الشرب على اللهو) أي لا تقبل شهادة المداوم على شرب ما لا يحل شربه فأطلق اللهو على المشروب وظاهره أنه لا بد من الإدمان في حق الخمر أيضا وفي الخانية إنما شرط الإدمان ليظهر ذلك عند الناس فإن من اتهم بشرب الخمر في بيته لا تبطل عدالته وإن كانت كبيرة وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو يخرج سكران يسخر منه الصبيان؛ لأن مثله لا يحترز عن الكذب واختاره المصنف في الكافي وفي النهاية معزيا إلى الذخيرة لا يجوز بشهادة مدمن الخمر ثم قال بشرط الإدمان ولم يرد به الإدمان في الشرب وإنما أراد به الإدمان في النية يعني يشرب ومن نيته أن يشرب بعد ذلك إذا وجده ولا تجوز شهادة مدمن السكر وأراد به السكر بسائر الأشربة سوى الخمر؛ لأن المحرم في سائر الأشربة السكر فشرط الإدمان على السكر والمحرم في الخمر نفس الشرب فشرط الإدمان على الشرب ا هـ. والتحقيق خلاف كل من القولين وأن الإدمان بالفعل أو النية ليس بشرط في الخمر؛ لأن شرب قطرة كبيرة منها وهي مسقطة للعدالة من غير إصرار وإنما ذكر المشايخ الإدمان ليظهر شربه عند القاضي لا أنه شرط كقولهم إن النائحة لا تسقط عدالتها إلا إذا كانت نائحة في مصيبة غيرها مع أن النياحة كبيرة للتوعد عليها لكن لا يظهر إلا في مصيبة غيرها غالبا وأما في غير الخمر فلا بد من الإدمان لأن شربه صغيرة والقولان في تفسير الإدمان محكيان في تفسير الإصرار عليها وذكر ابن الكمال أن شرب الخمر ليس بكبيرة فلا تسقط العدالة إلا بالإصرار عليه قال في الفتاوى الصغرى ولا تسقط عدالة شارب الخمر بنفس الشرب؛ لأن هذا الحد لم يثبت بنص قاطع إلا إذا داوم على ذلك. ا هـ. وهو غلط من ابن الكمال لما قدمناه عن المشايخ من التصريح بأن شربها كبيرة ولمخالفته للحديث المشهور في الكبائر أنها سبع وذكر منها شرب الخمر وليس في كلام الصغرى أنها صغيرة كما لا يخفى لكن في تعليله نظر؛ لأن الكلام فيها لا في الحد وحرمتها ثبتت بدليل مقطوع به ولذا قالوا يكفر مستحلها وسقوط العدالة إنما هو بسبب شربها لا بسبب وجوب الحد عليه وذكر الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء أن الخصاف أسقط العدالة بشرب الخمر من غير إدمان ومحمد شرط الإدمان لسقوطها وهو الصحيح ا هـ. وفي العتابية لا تسقط عدالة أصحاب المروءات بالشرب ما لم يشتهر وفي الظهيرية من سكر من النبيذ بطلت عدالته في قول الخصاف؛ لأن السكر حرام عند الكل وقال محمد لا تبطل عدالته إلا إن اعتاد ذلك ا هـ. وهو عجيب من محمد؛ لأنه قال بحرمة قليله ولم يسقطها بكثيره وظاهره أنه يقول بأن السكر منه صغيرة فشرط الاعتياد فإن قلت هل لشارب الخمر أن يشهد إذا لم يطلع عليه قلت نعم لما في الملتقط وإذا كان في الظاهر عدلا وفي السر فاسقا فأراد القاضي أن يقضي بشهادته لا يحل له أن يذكر فسقه؛ لأنه هتك السر وإبطال حق المدعي ا هـ. ولا فرق في السكر المسقط لها بين المسلم والذمي لما في الملتقط وإذا سكر الذمي لا تقبل شهادته وفي المصباح اللهو معروف وأصله ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة ا هـ. وذكر الشارح لا تقبل شهادة من يجلس مجالس الفجور والشرب وإن لم يشرب لأنه تشبه بهم ولا يحترز أن يظهر عليه ما يظهر عليهم فلا يحترز عن شهادة الزور ا هـ. وفي قوله على اللهو إشارة إلى أنه لو شربها للتداوي لم تسقط عدالته؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا ذكره ابن الكمال. (قوله: ومن يلعب بالطنبور) أي لا تقبل شهادته وفسره في الهداية بالمغني وفي نسخة أخرى بالطيور لأنه يورث غفلة وهو محمول على ما إذا كان يقف على عورات النساء لصعوده سطحه ليطير طيره فأما إمساك الحمام في بيته للاستئناس لا يسقطها؛ لأن إمساكها في البيوت مباح كذا في النهاية وزاد في المعراج أن إمساكها لحمل الكتب كما في ديار مصر والشام مباح إلا إن كانت تجر حمامات أخر مملوكة لغيره فتفرخ في وكرها فيأكل ويبيع؛ لأنه ملك الغير ولا يحل له فسقطت عدالته كذا ذكر الشارح يعني وإن لم يقف على العورات بصعود السطح كما في المعراج وأراد المؤلف بالطنبور كل لهو كان شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل في حد الكبائر كذا في المحيط وقد ذكر المشايخ هنا حديثا مرفوعا: «ما أنا من دد ولا الدد مني» قال في الصحاح الدد اللهو واللعب وفيه ثلاث لغات تقول هذا دد وددا مثل نقا وددن ا هـ. وذكر القطب في حاشية الكشاف من سورة النساء الدد اللهو واللعب والتنكير في دد للشيوع أي ما أنا في شيء من اللهو والتعريف في الدد للعهد كأنه قال ولا ذلك النوع مني ا هـ. وذكر الكرماني من شركات شرح البخاري أن من في الحديث تسمى اتصالية وفي الولوالجية اللاعب بالصولجان يريد به الفروسية جازت شهادته لأنه غير محظور ا هـ. وفي الخانية وإن لعب بشيء من الملاهي ولم يشغله ذلك عن الفرائض لا تبطل عدالته والملاعبة بالأهل والفرس لا تبطل العدالة ما لم يمنعه ذلك عن الفرائض فإن كان اللعب بالملاهي لا يشغله عنها إلا أنه شنيع بين الناس كالمزامير والطنابير فكذلك وإن لم يكن شنيعا نحو الحداء وضرب القضيب لا إلا إذا فحش بأن كانوا يرقصون عند ذلك. ا هـ. (قوله: أو يغني للناس)؛ لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة كذا في الهداية وظاهره أن الغناء كبيرة وإن لم يكن للناس بل لإسماع نفسه دفعا للوحشة وهو قول شيخ الإسلام فإنه قال بعموم المنع والإمام السرخسي إنما منع ما كان على سبيل اللهو ومنهم من جوزه للناس في عرس أو وليمة ومنهم من جوزه لإسماع نفسه دفعا للوحشة ومنهم من جوزه ليستقيد به نظم القوافي وفصاحة اللسان والعجب من المصنف في الكافي أنه علل بما علل به في الهداية وجوزه إذا كان لإسماع نفسه إزالة للوحشة وفي فتح القدير التغني المحرم هو ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والديريات والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه لا إذا أراد إنشاء الشعر للاستشهاد به أو لتعلم فصاحة وبلاغة إلى أن قال وفي الأجناس سئل محمد بن شجاع عن الذي يترنم مع نفسه قال لا يقدح في شهادته، وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم والمختار إن كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقدوراتها فمباح وإلا فغير مباح كذا ذكر وقدمنا في باب الآذان ما يفيد أن التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل ا هـ. وفي المعراج الملاهي نوعان محرم وهو الآلات المطربة من غير الغناء كالمزمار سواء كان من عود أو قصب كالشبابة أو غيره كالعود والطنبور لما روى أبو أمامة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير» ولأنه مطرب مصد عن ذكر الله تعالى والنوع الثاني مباح وهو الدف في النكاح وفي معناه ما كان من حادث سرور ويكره في غيره لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما سمع صوت الدف بعث فنظر فإن كان في وليمة سكت وإن كان في غيره عمده بالدرة وهو مكروه للرجال على كل حال للتشبه بالنساء ا هـ. ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه ونقل البزازي في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان على آلة كالعود، وأما إذا كان بغيرها فقد علمت الاختلاف ولم يصرح الشارحون بالمذهب وفي البناية والعناية التغني للهو معصية في جميع الأديان قال في الزيادات إذا أوصى بما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب وذكر منها الوصية للمغنيين والمغنيات خصوصا إذا كان من المرأة ا هـ. فقد ثبت نص المذهب على حرمته فانقطع الاختلاف وفي ضياء الحلوم الغناء على وزن فعال صوت المغني والغنى كثرة المال ا هـ. فالأول ممدود والثاني مقصور. (قوله: أو يرتكب ما يوجب الحد) للفسق ولو قال أو يرتكب كبيرة لكان أولى واختلف العلماء في الكبيرة والصغيرة على أقوال بيناها في شرح المنار في قسم السنة وفي الخلاصة بعد أن نقل القول بأن الكبيرة ما فيه حد بنص الكتاب قال وأصحابنا لم يأخذوا بذلك وإنما بنوا على ثلاثة معان: أحدهما ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة، والثاني أن يكون فيه منابذة المروءة والكرم فكل فعل يرفض المروءة والكرم فهو كبيرة، والثالث أن يكون مصرا على المعاصي والفجور ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بأنه غير منضبط وغير صحيح وما في الفتاوى الصغرى العدل من يجتنب الكبائر كلها حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته وفي الصغائر العبرة للغلبة لتصير كبيرة حسن ونقله عن أدب القضاء لعصام وعليه المعول غير أن الحكم بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور فلذا شرط في شرب المحرم الإدمان ا هـ. ولا بأس بذكر ما اطلعنا عليه من كلامهم فيما يسقطها مما لم يكن في الكتاب في الذخيرة والمحيط الإعانة على المعاصي والحث عليها كبيرة قالوا ولا تقبل شهادة بائع الأكفان وقيده شمس الأئمة السرخسي بما إذا ترصد لذلك العمل وإلا فتقبل لعدم تمنيه الموت والطاعون ولا تقبل شهادة الصكاكين؛ لأنهم يكتبون بخلاف الواقع والصحيح قبولها إذا غلب عليهم الصلاح ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف ولا تقبل شهادة من يشتم أهله ومماليكه كثيرا لا أحيانا. وكذا الشتام للحيوان كدابته، وأما في ديارنا فكثيرا يشتمون بائع الدابة فيقولون قطع الله يد من باعك ولا من يحلف في كلامه كثيرا ولا تقبل شهادة البخيل الكل من فتح القدير والذي أخر الفرض بعد وجوبه إن كان له وقت معين كالصوم والصلاة بطلت عدالته إلا أن يكون لعذر وإن لم يكن له وقت معين كالزكاة والحج اختلف الرواية فيه والمشايخ وذكر الخاصي عن فتاوى قاضي خان الفتوى على سقوطها في تأخير الزكاة من غير عذر بخلاف تأخير الحج ا هـ. وفي خزانة الأكمل إذا أخر الزكاة والحج من غير عذر بطلت وبه نأخذ ا هـ. وتمامه في شرح منظومة ابن وهبان له وفي القنية ركوب البحر ولا يمنع قبول شهادتهم وفي شرح أدب القاضي للشهيد حسام الدين أسباب الجرح كثيرة منها ركوب بحر الهند؛ لأنه مخاطرة بنفسه ودينه من سكنى دار الحرب وتكثير سوادهم وعددهم لأجل المال ومثله لا يبالي بشهادة الزور ومنها التجارة في قرى فارس؛ لأنهم يطعمونهم الربا وهم يعلمون ولو شهد قبل أن يستشهد تسمع شهادته بعد ذلك ا هـ. وفي البزازية ولا تجوز شهادة من ترك الصلاة بجماعة إلا إذا تركها بتأويل ولا تارك الجمعة إلا بتأويل ولا تارك الصلاة ا هـ. وفي الملتقط وعن خلف من خرج للنظر إلى قدوم الأمير فليس بعدل وكذا من شهد على صك مقاطعة النخاسين وهو ملعون وكذا كل من شهد على باطل إذا عرفوه وإلا فتقبل وفي الجوهرة ولا تقبل شهادة النخاس وهو الدلال إلا إذا كان عدلا لم يكذب ولا يحلف. ا هـ. ولا تقبل شهادة من يجلس مجالس الغناء أو يتبع صوت المغنية ولا من يسمع الغناء وشهادة الشاعر ما لم يقذف في شعره مقبولة إلا إذا هجا ا هـ. وقد حرر ابن وهبان مسألة الشتم والخروج لقدوم الأمير تحريرا حسنا أحببت ذكره هنا: الأولى قال والفقه في ذلك أن الشتم لا يخلو إما أن يكون بما فيه أو بما ليس فيه في وجهه أو في غيبته فإن كان بما ليس فيه فهو كذب وافتراء فيفسق به سواء كان في وجهه أو في غيبته وإن كان بما فيه في غيبته فهو غيبة وأنها توجب الفسق وإن كان في وجهه ففيه إساءة أدب وأنه من صنيع رعاعة الناس وسوقتهم الذين لا مروءة لهم ولا حياء فيهم وأن ذلك مما يسقط العدالة وكذا إذا كان السب باللعنة والإبعاد مما يفعله من لا خلاق لهم من السوقة وغيرهم ومما يؤيد ذلك ما ورد في الحديث سباب المسلم فسوق وقتاله كفر قال ابن الأثير في النهاية السب الشتم يقال سبه يسبه سبا وسبابا قيل هذا محمول على من سبه أو قاتل مسلما بغير تأويل وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الكفر والفسق وأقول: هذا خلاف الظاهر ا هـ. الثانية قال قاضي خان إذا قدم الأمير بلدة فخرج الناس وجلسوا على الطريق ينتظرون قال خلف بطلت عدالتهم إلا أن يذهبوا للاعتبار فحينئذ لا تبطل ا هـ. وحاصله أنها لا تبطل إلا إذا كان الأمير لا يصلح للتعظيم ولم يخرجوا للاعتبار والفقه فيه أنهم إذا خرجوا لغير هذين الأمرين يكون طلوعهم من باب العبث واللعب وهو حرام أو من أجل تعظيم من لا يستحق التعظيم وهو حرام أيضا والشخص إذا ارتكب حراما ما قدح في عدالته وينبغي أن يكون ذلك على ما اعتاده أهل البلد فإن كان من عادة أهل البلد أنهم يفعلون ذلك ولا ينكرونه ولا يستخفونه فينبغي أن لا يقدح ا هـ. وذكر العلامة ابن الشحنة بعده وفي واقعات عمر بن مازة تعليل عدم قبول شهادتهم بأن الطريق حق العامة فلم تعمل للجلوس فإذا جلس فقد شغل حق العامة فصار مرتكبا للحرام فسقطت عدالته وفي الفتاوى الصغرى لا تقبل شهادة من وقف على الطريق؛ لأنه شغل الطريق وهذا التعليل يفيد أن الخروج إذا تجرد عن شغل الطريق لا يكون قادحا مطلقا ولا ينافيه ما تقدم إذا تأملته فقول المصنف ينبغي إلى آخره ليس كما ينبغي ا هـ. وشرط في التهذيب لمنع شهادة المغني أن يأخذ جزاء عليه ولتارك الجماعة أن يتركها مجانا شهرا وفي خزانة الفتاوى إذا قدم الأمير بلدة فخرج الناس وجلسوا في الطريق ونظروا إليه قال خلف بطلت شهادتهم إلا أن يذهبوا للاعتبار والفتوى أنهم إذا خرجوا لتعظيم من لا يستحق التعظيم لا للاعتبار تبطل عدالتهم ولا تقبل شهادة أهل السجن بعضهم على بعض فيما يقع في السجن وكذا شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يقع في الملاعب ومنها شهادة النساء فيما يقع في الحمامات لا تقبل وإن مست الحاجة. ا هـ. وذكر ابن وهبان معزيا إلى شرح أدب القضاء للحسام الشهيد لا تقبل شهادة الأشراف من أهل العراق؛ لأنهم قوم يتعصبون فإذا نابت أحدا منهم نائبة أتى سيد قومه فيشفع فلا يؤمن أن يشهد له بزور ا هـ. وعلى هذا كل متعصب لا تقبل شهادته وفي المجتبى من أكل فوق الشبع سقطت عدالته عند الأكثر الكذب من أعظم الكبائر وعن شداد أنه رد شهادة شيخ معروف بالصلاح لمحاسبة ابنه في النفقة في طريق مكة من سمع الآذان فانتظر الإقامة سقطت عدالته ا هـ. وصرح في المحيط البرهاني بأن الفرع الأخير مفرع على قول من ضيق في تفسير العدل بأنه من لم يرتكب ذنبا وليس هو المعتمد وفي حفظي قديما من الكتب أن من ترك الاشتغال بالعلم المفروض عليه لم تقبل شهادته لكن ما رأيته الآن وفي المحيط البرهاني معزيا إلى الأقضية إذا أسلم الرجل وهو لا يقرأ القرآن فشهادته مقبولة يريد بقوله لا يقرأ القرآن لا يتعلم القرآن للحال؛ لأنه عدل مسلم فإذا لم يتعلم القرآن للحال لا يصير فاسقا ا هـ. وفي خزانة الأكمل وقال بعض أصحابنا لا تقبل شهادة من ترك ركعتي الفجر. (قوله: أو يدخل الحمام بغير إزار)؛ لأن كشف العورة حرام ورأى أبو حنيفة رجلا في الحمام بغير إزار فقال ألا يا عباد الله خافوا إلهكم ولا تدخلوا الحمام من غير مئزر وعلى هذا فرعوا كما قدمناه عدم قبول شهادة النساء في الحمامات وذكر الكرخي أن من يمشي في الطريق بالسراويل وحده ليس عليه غيره لا تقبل شهادته؛ لأنه تارك للمروءة. ا هـ. (قوله: أو يأكل الربا)؛ لأنه من الكبائر أي يأخذ القدر الزائد فالمراد بالأكل الأخذ وإنما ذكره تبعا للآية {الذين يأكلون الربا} وإنما ذكره في الآية؛ لأنه معظم منافع المال ولأن الربا شائع في المطعومات والمراد بالربا القدر الزائد لا الزيادة وهي المرادة في قوله تعالى: {وحرم الربا} كما بيناه في بابه وأطلقه المؤلف تبعا لكثير وقيده في الأصل بأن يكون مشهورا به وعلله في الهداية بأن الإنسان قل ما ينجو عن مباشرات العقود الفاسدة وكل ذلك ربا ا هـ. وهو أولى مما قيل؛ لأن الربا ليس بحرام محض؛ لأنه يفيد الملك بالقبض كسائر البياعات الفاسدة وإن كان عاصيا مع ذلك فكان ناقصا في كونه كبيرة بخلاف أكل مال اليتيم ترد شهادته بمرة والأوجه ما قيل لأنه إن لم يشتهر به كان الواقع ليس إلا تهمة أكل الربا ولا تسقط العدالة به كما قدمناه في وجه تقييد شرب الخمر بالإدمان ولا يصح قوله أنه ليس بحرام محض بعد الاتفاق على أنه كبيرة والملك بالقبض شيء آخر، وأما أكل مال اليتيم فلم يقيده أحد وأنت تعلم أنه لا بد من الظهور للقاضي فلا فرق بين الربا ومال اليتيم. والحاصل أن الفسق نفسه مانع شرعا من قبولها غير أن القاضي لا يرتكب ذلك إلا بعد ظهوره له فالكل سواء وفرق الزيلعي بينهما بأن أكل مال اليتيم لم يدخل تحت ملكه ومال الربا دخل فلا يفيد شيئا كما لا يخفى. (قوله: أو يقامر بالنرد والشطرنج أو تفوته الصلاة بسببهما)؛ لأن كل ذلك من الكبائر وظاهر تقييده بما ذكر استواء النرد والشطرنج وليس كذلك فإن اللعب بالنرد مبطل للعدالة مطلقا كما في العناية وغيرها للإجماع على حرمته بخلاف الشطرنج؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا لقول مالك والشافعي بإباحته وهو مروي عن أبي يوسف كما في المجتبى من الحظر والإباحة واختارها ابن الشحنة إذا كان لإحضار الذهن واختار أبو زيد الحكيم حله ذكره شمس الأئمة السرخسي كذا في المحيط البرهاني وفي النوازل سئل أبو القاسم عمن ينظر إلى لاعبيه من غير لعب أيجوز فقال أخاف أن يصير فاسقا ا هـ. وفيه إذا قامر به سقطت عدالته إجماعا وفيه الميسر اسم لكل قمار والحاصل أن العدالة إنما تسقط بالشطرنج إذا وجد فيه واحد من خمس القمار وفوت الصلاة بسببه وإكثار الحلف عليه واللعب به على الطريق كما في فتح القدير أو يذكر عليه فسقا كما في السراج الوهاج وإلا فلا بخلاف النرد فإنه مسقط لها مطلقا والنرد كما في المصباح لعبة معروفة وهو معرب ا هـ. وفي القاموس أنه وضعه أردشير بن بابك ولهذا يقال النردشير ا هـ. وفي فتح القدير ولعب الطاب في بلادنا مثله؛ لأنه يرمى ويطرح بلا حساب وإعمال فكر وكلما كان كذلك مما أحدثه الشيطان وعمله أهل الغفلة فهو حرام مطلقا. ا هـ. وأما الشطرنج فسنتكلم عليه وعلى واضعه في محله من الحظر والإباحة، وأما القمار فقدمنا أنه الميسر وفي القاموس قامره مقامرة وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنه فغلبه وهو التقامر ا هـ. وذكر النووي أنه مأخوذ من القمر؛ لأن ماله تارة يزداد إذا غلب وينتقص إذا غلب كالقمر يزيد وينقص ا هـ. وعلى هذا فلا بد في القمار من الرهان من الجانبين لتسقط العدالة كالسباق بالخيل والإقدام والدرس وذكر في يتيمة الدهر من الحدود أن اللعب بالشطرنج من القمار وفي القاموس الشطرنج ولا يفتح أوله لعبة والسين لغة فيه ا هـ. (قوله: أو يبول أو يأكل على الطريق)؛ لأنه تارك للمروءة وإذا كان لا يستحي عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب فيتهم وقدمنا أن اللعب بالشطرنج على الطريق كذلك والمراد بالأكل على الطريق والبول بأن يكون بمرأى من الناس ومثله الذي يكشف عورته ليستنجي من جانب البركة والناس حضور وقد كثر في زماننا كذا في فتح القدير وأشار المؤلف بما ذكره إلى أن ما يخل بالمروءة يمنع قبولها وإن لم يكن محرما ولذا قال في الهداية ولا تقبل شهادة من يفعل الأفعال المستحقرة مثل البول والأكل على الطريق والمروءة أن لا يأتي الإنسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل وقيل السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق دنيء والسخف رقة العقل من قولهم ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل كذا في فتح القدير والمعراج وفي غاية البيان من فصل التعزير قال محمد وعندي المروءة الدين والصلاح وقد ذكر مشايخنا مما يخل بالمروءة أشياء نذكرها فمنها الأمور الأربعة المذكورة ومنها ما في فتح القدير أخذا من المعراج المشي بسراويل فقط ومد رجله عند الناس وكشف رأسه في موضع يعد فعله خفة وسوء أدب وقلة مروءة وحياء ومصارعة الشيخ الأحداث في الجامع ومن ذلك ما حكي أن الفضل بن الربيع شهد عند أبي يوسف فرد شهادته فشكاه إلى الخليفة فقال الخليفة إن وزيري رجل دين لا يشهد بالزور فلم رددت شهادته قال لأني سمعته يوما قال للخليفة أنا عبدك فإن كان صادقا فلا شهادة للعبد وإن كان كاذبا فكذلك فعذره الخليفة زاد في فتح القدير بعده والذي عندي أن رد أبي يوسف شهادته ليس للكذبة؛ لأن قول الحر للغير أنا عبدك إنما هو مجاز باعتبار معنى القيام بخدمتك وكوني تحت أمرك ممتثلا له على إهانة نفسي في ذلك إلى آخره وليس منها الصناعة الدنية كالقنواتي والزبال والحائك فإن الصحيح القبول إذا كان عدلا ومثله النخاسون والدلالون والعامة على قبول شهادة الأعرابي والقروي إذا كان عدلا. ا هـ. وقد ذكرنا في شرح المنار أن منها سرقة لقمة والإفراط في المزح المفضي إلى الاستخفاف وصحبة الأراذل والاستخفاف بالناس ولبس الفقيه قباء ولعب الحمام ا هـ. ثم اعلم أنهم شرطوا في الصغيرة الإدمان وما شرطوه في فعل ما يخل بالمروءة فيما رأيت وينبغي اشتراطه بالأولى وإذا فعل ما يخل بها فقد سقطت عدالته وإن لم يكن فاسقا به حيث كان مباحا ففاعل المخل بها ليس بعدل ولا فاسق فالعدل من اجتنب الثلاثة والفاسق من فعل كبيرة أو أصر على صغيرة ولم أر من نبه عليه وفي العتابية لا تقبل شهادة من يعتاد الصياح في الأسواق. (قوله: أو يظهر سب السلف) لظهور فسقه قيد بالظهور؛ لأنه لو كتمه تقبل كذا في الهداية ولو تبرأ من الصحابة تقبل كما في العناية والسب الشتم كما قدمناه والسلف كما في النهاية الصحابة والتابعون وأبو حنيفة ا هـ. وزاد في فتح القدير وكذا العلماء ولو قال المؤلف كغيره أو يظهر سب مسلم لكان أولى؛ لأن العدالة تسقط بسب مسلم وإن لم يكن من السلف كما في النهاية وغيرها وقولهم هنا بعدم القبول شامل لما إذا كان السب فسقا أو كفرا فيشمل سب الشيخين رضي الله تعالى عنهما فإنه لا تقبل شهادة من سبهما لكونه كافرا كما في الخلاصة والبزازية وقدمناه في باب الردة والفرق بين السلف والخلف أن السلف الصالح الصدر الأول من التابعين والخلف بفتح اللام من بعدهم في الخير والسكون في الشر كذا في مختصر النهاية وعطف أبي حنيفة على التابعين إما عطف خاص على عام بناء على أنه منهم كما في مناقب الكردري وصرح به في العناية أو ليس منهم بناء على ما صرح به شيخ الإسلام ابن حجر فإنه جعله من الطبقة السادسة ممن عاصر صغار التابعين ولكن لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة ذكره في تقريب التهذيب. (قوله: وتقبل لأخيه وعمه وأبويه رضاعا وأم امرأته وبنتها وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه) لانعدام التهمة؛ لأن الأملاك ومنافعها متباينة ولا بسوطة لبعضهم في مال بعض وفي المحيط البرهاني وهذا الجواب لا يشكل فيما إذا شهد لأخيه والأب ميت وإنما يشكل فيما إذا شهد لأخيه والأب حي وينبغي أن لا تقبل شهادته؛ لأن منافع الأملاك بين أخيه وأبيه متصلة فكأنه شهد لأبيه والجواب أن شهادة الإنسان لأبيه إنما لا تقبل؛ لأن منافع الأملاك بين الأب وابنه متصلة فكانت الشهادة للأب شهادة لنفسه من وجه فلم تقبل، وأما شهادته لأخيه فليست لنفسه أصلا لتباين الأملاك ا هـ. وفي القنية امتدت الخصومة سنين ومع المدعي أخ وابن عم يخاصمان له مع المدعى عليه ثم شهدا له في هذه الخصومة بعد هذه الخصومات لا تقبل شهادتهما ا هـ. وذكر ابن وهبان وقياس ذلك أن يطرد ذلك في كل قرابة وصاحب تردد مع قرابته أو صاحبه إلى المدعي في الخصومة سنين ويخاصم له ومعه على المدعي ثم يشهد له بعد ذلك فإنه ينبغي أن لا تقبل والفقه فيه أنه لما طال التردد مع المخاصم والمخاصمة له مع المدعى عليه صار بمنزلة الخصم للمدعى عليه ا هـ. وفي خزانة الفتاوى إذا تخاصم الشهود والمدعى عليه تقبل إن كانوا عدولا ا هـ. وينبغي حمله على ما إذا لم يساعدوا المدعي في الخصومة أو لم يكثر ذلك منهم توفيقا. (قوله: وأهل الأهواء إلا الخطابية) أي تقبل شهادتهم؛ لأن فسقهم من حيث الاعتقاد وما أوقعه فيه إلا تدينه به وصار كمن يشرب المثلث أو يأكل متروك التسمية عامدا مستبيحا لذلك بخلاف الفسق من حيث التعاطي والهوى مقصورا ميل النفس إلى ما تستلذ به من الشهوات من غير داعية الشرع كذا في التقرير وفي المصباح الهوى مقصورا مصدر هويته من باب تعب إذا أحببته وعلقت به ثم أطلق على ميل النفس وانحرافها نحو الشيء ثم استعمل في ميل مذموم فيقال اتبع هواه وهو من أهل الأهواء والهواء ممدودا المسخر بين السماء والأرض والجمع أهوية ا هـ. أطلقه وقيده في الذخيرة بهوى لا يكفر به صاحبه وزاد في السراج الوهاج أن لا يكون ماجنا ويكون عدلا في تعاطيه هو الصحيح ا هـ. وليس هذا القيد في ظاهر الرواية فإن الحاكم الشهيد في الكافي قال وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى شهادة أصحاب الأهواء جائزة ألا ترى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا واقتتلوا وشهادة بعضهم على بعض كانت جائزة فليس بين أصحاب الأهواء من الاختلاف أشد مما كان بينهم من القتال ا هـ. وفي التقرير أن من وجب إكفاره منهم فالأكثر على عدم قبوله ا هـ. وفي المحيط البرهاني وهو الصحيح وما ذكره في الأصل محمول عليه وفي النهاية أن أصول الهوى ستة الجبر والقدر والرفض والخروج والتشبيه والتعطيل ثم كل واحد يصير اثني عشر فرقة ا هـ. وفي الحديث: «إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة قيل من هي يا رسول الله قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي». ا هـ. والخطابية قوم من الروافض ينسبون إلى أبي الخطاب يدينون بشهادة الزور لمن وافقهم على مخالفيهم وقيل يشهدون لمن حلف لهم أنه محق ويقولون المسلم لا يحلف كاذبا فتمكنت شبهة الكذب فيها وفي العتابية هم قوم من الروافض يكفرون بالصغائر وفي الينابيع أن الخطابية انقرضوا وفنوا للآية الشريفة {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وفي التقرير ويلحق بهم صاحب الإلهام فلا تقبل شهادته، وأما روايته فالمختار في المذهب عدم قبولها؛ لأنهم يحتاجون إلى المحاجة فيحتاجون إلى التقول والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الشهادة ا هـ. والمنقول عند الشافعية عدم قبول شهادة الخطابية إلا من صرح منهم بالمشاهدة ولم أره لأصحابنا. (قوله: والذمي على مثله)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض؛ ولأنه من أهل الولاية على نفسه وأولاده الصغار فيكون من أهل الشهادة على جنسه والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع؛ لأنه يجتنب عما يعتقده محرم دينه والكذب محظور الأديان قيد بالذمي لأن المرتد لا شهادة له؛ لأنه لا ولاية له واختلفوا في شهادة مرتد على مثله والأصح عدم قبولها بحال كذا في المحيط البرهاني وقيد بقوله على مثله؛ لأنها لا تقبل على مسلم للآية {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ولأنه لا ولاية له بالإضافة إليه ولأنه يتقول عليه لأنه يغيظه قهره إياه وفي الولوالجية نصرانيان شهدا على نصراني بقطع يد أو قصاص ثم أسلم المشهود عليه بعد القضاء بطلت الشهادة؛ لأن الإمضاء من القضاء في العقوبات ا هـ. وفي تلخيص الجامع للصدر سليمان نصراني مات عن مائة فأقام مسلم شاهدين عليه بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثلثان له والباقي بينهما والشركة لا تمنع؛ لأنها بإقراره بخلاف الإقرار لوارثه وأجنبي نظيره أقر لأجنبي في مرضه فأقر لوارثه وعن أبي يوسف النصف لهما للاستواء ولو كان المنفرد نصرانيا فالثلث له والباقي لهما ويقدم المسلم. وكذا لو كان شهود الشريكين مسلمين وشهودهما نصرانيان أو مسلمان استويا نصراني مات عن ابنين وأسلم أحدهما فأقام مسلم شاهدين نصرانيين بعد موته وقسمت تركته بدين عليه يؤخذ من نصيب غير المسلم لعدم الحجة عليه كإقراره ولو أقام المسلم ذميين وذمي مثلهما يقدم المسلم وعن أبي يوسف يستويان قال محمد هو قوله الأخير وعلى هذا لو كان حيا وادعيا عينا في يده وعنه أنها للمسلم وفرق بتعلقه بالمحل ا هـ. وفي المجمع ولو اشترى ذمي دارا من مسلم فادعاها ذمي أو مسلم بشهادة ذميين يقبلهما في حقه ورداها ا هـ. وفي الخلاصة من ألفاظ التكفير شهد نصرانيان على نصراني أنه قد أسلم وهو يجحد لم تجز شهادتهما وكذا لو شهد رجل وامرأتان من المسلمين ويترك على دينه وجميع أهل الكفر في ذلك سواء ولو شهد نصرانيان على نصرانية أنها أسلمت جاز وأجبرها على الإسلام ولا تقتل وهذا كله قول أبي حنيفة ا هـ. وفي المحيط البرهاني لو شهد على إسلام النصراني رجل وامرأتان من المسلمين وهو يجحد أجبر على الإسلام ولا يقبل ولو شهد رجلان من أهل دينه وهو يجحد فشهادتهما باطلة؛ لأن في زعمهم أنه مرتد ولا شهادة لأهل الذمة على المرتد. ا هـ. وفي المحيط تقبل شهادة الكافر على العبد الكافر التاجر وإن كان مولاه مسلما وعلى العكس لا تقبل؛ لأن في الأول قامت على إثبات أمر على الكافر؛ لأن الدين يثبت على العبد واستحقاق مالية المولى غير مضاف إلى الشهادة؛ لأنه ليس من ضرورة وجوب الدين عليه استحقاق مالية المولى لا محالة بل ينفك عنه في الجملة وفي الثانية قامت على إثبات أمر على المسلم والوكيل مع الموكل بمنزلة العبد مع المولى ولا تقبل شهادة كافرين على شهادة مسلمين وعلى العكس تقبل وتقبل شهادة الذمي بدين على ذمي ميت وإن كان وصيه مسلما بشرط أن لا يكون عليه دين لمسلم فإن كان فقد كتبناه عن الجامع وفي الخانية ذمي مات فشهد عشرة من النصارى أنه أسلم لا يصلى عليه بشهادتهم وكذا لو شهد فساق من المسلمين ولو كان لهذا الميت ولي مسلم وبقية أوليائه كفار من أهل دينه فادعى الولي المسلم أنه أسلم وأنه أوصى إليه وأراد أن يأخذ ميراثه وشهد اثنان من أهل الكفر بذلك يأخذ المولى المسلم ميراثه بشهادتهما؛ لأن شهادتهم على الإسلام في حكم الميراث قامت على أوليائه الكفار ويصلى عليه بشهادة وليه المسلم إن كان عدلا ولو لم يشهد على إسلامه غير الولي يصلى عليه بقول وليه المسلم ولا ميراث له ا هـ. ثم قال لو شهد على نصراني أربعة من النصارى أنه زنى بأمة مسلمة فإن شهدوا وأنه استكرهها حد الرجل وإن قالوا طاوعته درئ الحد عنهما ويعزر الشهود لحق المسلمة لقذفهم الأمة. ا هـ. وفي البدائع من النكاح لو ادعى مسلم عبدا في يد ذمي أنه عبده وشهد كافران أنه عبده قضى به القاضي فلان لم تقبل لكونها شهادة على القاضي المسلم وفي خزانة الأكمل ولو شهد كافران على شهادة مسلمين لكافر على كافر لم تجز ولو شهد مسلمان على شهادة كافر جازت ا هـ. ثم اعلم أنه لا بد من التزكية في شهادة الذمي قال في الولوالجية تزكية الذمي أن تزكيه بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة ا هـ. وأفتى به قارئ الهداية وأصله في النوازل وفي خزانة الأكمل معزيا إلى العيون شهد كافران على كافر فعدلا ثم أسلم وأسلما يؤمران أن يعيدا الشهادة ويكفي تعديلهما في الكفر وإنما تعديل الكفار إلى المسلمين فإن تعديل الكافر للكافر لا يجوز ثم يسأل أولئك عن الشهود. ا هـ. وقدمنا في مسائل التعديل أن تعديل الكافر بالمسلمين إن وجد وإلا فيسأل من عدول الكفار وفي الملتقط إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته. ا هـ. (قوله: والحربي على مثله) أي وتقبل شهادته على مثله لا على الذمي؛ لأنه لا ولاية له على الذمي والمراد بالحربي المستأمن؛ لأنه لا يتصور غيره فإن الحربي لو دخل بلا أمان فهذا استرقاق ولا شهادة للعبيد على أحد كذا في فتح القدير ويستثنى من الحربي على مثله ما إذا كانا من دارين مختلفين كالإفرنج والحبش لانقطاع الولاية بينهما ولهذا لا يتوارثان والدار تختلف باختلاف المنعة والملك. (قوله: ومن ألم بصغيرة إن اجتنب الكبائر) أي تقبل شهادة من ارتكب صغيرة إن اجتنب الكبائر كلها وقد أشار هنا إلى العدالة فإنها شرط قبول الشهادة وهي الاستقامة وهي بالإسلام واعتدال العقل ويعارضه هوى يضله ويصده وليس لكمالها حد يدرك مداه ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا يضيع الحقوق وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة وأحسن ما قيل فيه ما عن أبي يوسف العدل أن يكون مجتنبا للكبائر غير مصر على الصغائر وأن تكون مروءته ظاهرة فعدمها مفوت لها وزاد في المحيط أن يعتاد الصدق ويجتنب الكذب ديانة ومروءته وفي الولوالجية وينبغي أن يكون الشاهد مسنا عفيفا ذا مال ذا فضل لأنه إذا كان كذلك لا يطمع في أموال الناس ويستحي من ارتكاب ما لا يحل في الشرع فكان أولى بالاستشهاد ا هـ. وبه يعلم من ينصبه القاضي شاهدا بين الناس وفي الخانية الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمان تظهر التوبة ثم بعضهم قدره بستة أشهر وبعضهم قدره بسنة والصحيح أن ذلك مفوض إلى رأي القاضي والمعدل ا هـ. وفي الخلاصة ولو كان عدلا فشهد بزور ثم تاب فشهد تقبل من غير مدة ا هـ. وقدمنا أن الشاهد إذا كان فاسقا سرا لا ينبغي أن يخبر بفسقه كي لا يبطل حق المدعي وصرح به في العمدة أيضا وفي العتابية من أجر بيته لمن يبيع الخمر لم تسقط عدالته. (قوله: والأقلف) أي الكبير الذي لم يختتن تقبل شهادته؛ لأن العدالة لا تخل بترك الختان لكونه سنة عندنا أطلقه وقيده قاضي خان بأن يتركه لخوف على نفسه أما إذا تركه بغير عذر لم تقبل وقيده في الهداية بأن لا يتركه استخفافا بالدين أما إذا تركه استخفافا لم تقبل شهادته؛ لأنه لم يبق عدلا وكما تقبل شهادته تصح إمامته كذا في فتح القدير ولم يقدر الإمام للختان وقتا معلوما لعدم ورود النص به وقدره المتأخرون واختلفوا والمختار أن أول وقته سبع سنين وآخره اثنتا عشر كذا في الخلاصة من باب اليمين في الطلاق وقدمنا في أول الطهارة أنه سنة للرجال مكرمة للنساء إذ جماع المختونة ألذ قال الحلواني كان النساء يختتن في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي النوازل أن ابن عباس كان لا يجيز شهادة الأقلف ولا ذبيحته وعلماؤنا قالوا تؤكل ذبيحته وتقبل شهادته إن كان لعذر وإلا لا تقبل وبه نأخذ ا هـ. (فائدة) من كراهية فتاوى العتابي وقيل في ختان الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلا لم يفعل إلا أن يمكنه أن يتزوج أو يشتري ختانة فتختنه وذكر الكرخي في الكبير يختنه الحمامي وكذا عن ابن مقاتل لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة. ا هـ. (قوله: والخصي وولد الزنا والخنثى) فإن عمر رضي الله عنه قبل شهادة علقمة الخصي؛ ولأنه قطع عضو منه ظلما فصار كما إذا قطعت يده والخصي بفتح الخاء على وزن فعيل منزوع الخصا كذا في البناية وفسق الأبوين لا يوجب فسق الولد ككفرهما أطلقه فشمل ما إذا شهد بالزنا أو بغيره خلافا لمالك في الأول والمراد بالخنثى المشكل وهو امرأة في الشهادة كذا في السراج الوهاج. (قوله: والعمال) أي تقبل شهادتهم والمراد بهم عمال السلطان عند عامة المشايخ؛ لأن نفس العمل ليس بفسق إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم وقيل العامل إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة لا يجازف في كلامه تقبل شهادته كما مر عن أبي يوسف في الفاسق؛ لأنه لوجاهته لا يقدم على الكذب كذا في الهداية يعني ولو كان عونا على الظلم كما في العناية وقيل أراد بالعمال الذين يعملون ويؤاجرون أنفسهم للعمل؛ لأن من الناس من رد شهادات أهل الصناعات الخسيسة فأفرد هذه المسألة لإظهار مخالفتهم وكيف لا وكسبهم أطيب كسب وينبغي تقييد القبول بأن تكون تلك الحرفة لائقة به بأن تكون حرفة آبائه وأجداده وإلا فلا مروءة له إذا كانت حرفة دنية فلا شهادة له لما عرف في حد العدالة وكذا ينبغي تقييد القبول بأن لا يكثر الكذب والخلف في الوعد وذكر الصدر الشهيد أن شهادة الرئيس لا تقبل وكذا الجابي والصراف الذي يجمع عنده الدراهم ويأخذها طوعا لا تقبل وقدمنا عن البزدوي أن القائم بتوزيع هذه النوائب السلطانية والجبايات بالعدل بين المسلمين مأجور وإن كان أصله ظلما فعلى هذا تقبل شهادته والمراد بالرئيس رئيس القرية وهو المسمى في بلادنا شيخ البلد ومثله المعرفون في المراكب والعرفاء في جميع الأصناف وضمان الجهات في بلادنا؛ لأنهم كلهم أعوان على الظلم كذا في فتح القدير وفي السراجية معزيا إلى الفقيه أبي الليث إن كان العامل مثل عمر بن عبد العزيز فشهادته جائزة وإن كان مثل يزيد بن معاوية فلا ا هـ. وفي إطلاق العامل على الخليفة نظر والظاهر منه أنه من قبل عملا من الخليفة وفي شرح المنظومة أمير كبير ادعى فشهد له عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لا تقبل كشهادة المزارع لرب الأرض ا هـ. وفي إجارات البزازية لا تقبل شهادة الدلال ومحضر قضاة العهد والوكلاء المفتعلة والصكاك. ا هـ. (قوله: والمعتق للمعتق) أي تقبل شهادته كعكسه لأنه لا تهمة وقد قبل شريح شهادة قنبر لعلي رضي الله عنه وكان عتيقه وهو بفتح القاف والباء، وأما قنبر فهو جد سيبويه ذكره الذهبي في مشتبه الأسماء والأنساب وفي تقريب التهذيب للحافظ بن حجر: شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي أبو أمية ثقة وقيل له صحبة مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر يقال حكم سبعين سنة. ا هـ. قيدنا بعدم التهمة لأن العتيق لو كان متهما لم تقبل لمن أعتقه ولذا قال في الخلاصة ولو شهد العبدان بعد العتق على أن الثمن كذا عند اختلاف البائع والمشتري لا تقبل. ا هـ.؛ لأنهما يجران لأنفسهما نفعا بإثبات العتق؛ لأنه لولا شهادتهما لتحالفا وفسخ البيع المقتضي لإبطال العتق ولا يعارضه ما في الخلاصة أيضا معزيا إلى العيون لو اشترى غلامين فأعتقهما فشهدا لمولاهما على البائع أنه قد استوفى الثمن جازت شهادتهما. ا هـ. لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان مغرما وشهادتهما بأن البائع أبرأ المشتري من الثمن كشهادتهما بالإيفاء كما في الخانية وأشار إلى قبول شهادته على مولاه بالأولى إلا في مسألة ذكرناها عن الكافي عند قوله: والمملوك والصبي وذكر في المحيط البرهاني في مسألة المعتقين الثلاث هنا تركناها لكثرة شعبها وفي العتابية لو أعتق أم ولده فشهدت له وهي في العدة تقبل ا هـ. فعلى هذا يفرق بين المعتدة من طلاق ومن عتق وفيها لو نفى ولد أم ولده ثم أعتقه فشهد له لم يجز وسئل محمد عن عربي ادعى على رجل أنه مولاه أعتقه فشهد موليان أعتقهما الرجل للمدعي لم تجز؛ لأنهما يثبتان أن العربي مولى مولاهما وقال أبو يوسف يجوز كما لو شهدا أن أباهما أعتق هذا والبنات يجحدون هذا. ا هـ. (قوله: ولو شهدا أن أباهما أوصى إليه والوصي يدعي جاز وإن أنكر لا كما لو شهدا أن أباهما وكله بقبض ديونه وادعى الوكيل أو أنكر) والقياس عدم القبول في الوصي أيضا لكونها شهادة للشاهد لعود المنفعة إليه وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي إذا كان طالبا والموت معروف فيكفي القاضي بهذه الشهادة مؤنة التعيين لا أنه يثبت بها شيء فصار كالقرعة كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بقوله وإذا تحققت ما ذكر في وجه الاستحسان ظهر أن قبول الشهادة ثابت قياسا واستحسانا إذ ظهر أنه لم يثبت بها شيء وإنما ثبت عندها نصب القاضي وصيا اختاره وليس هنا موضع غير هذا يصرف إليه القياس والاستحسان ولو اعتبرا في نفس إيصاء القاضي إليه فالقياس لا يأباه فلا وجه لجعل المشايخ فيها قياسا واستحسانا والمنقول عن أصحاب المذهب الحكم المذكور مع السكوت عن القياس والاستحسان ا هـ. وقد ذكر القياس والاستحسان في عامة كتب أصحابنا ومنهم شرح الجامع الصغير للحسامي والكافي والتبيين والهداية وشروحها والموضع الذي يصرفا إليه أن ظاهرها عدم القبول؛ لأن الشاهد يجر نفعا لنفسه فلا يكون المشهود له وصيا عن الميت وفي الاستحسان جعلناه وصيا عن الميت ولم يعتبر نفع الشاهد؛ لأن للقاضي ولاية النصب والسبب الحامل لاعتراض المحقق أنه فهم أنه وصي من جهة القاضي وحينئذ فلا معنى للقياس والاستحسان وليس كذلك وإنما هو وصي من جهة الميت وقد ذكرنا في وصايا الفوائد من الأشباه والنظائر أن وصي القاضي كوصي الميت إلا في مسائل وأشار بشهادة الابنين إلى أن شهادة الغريمين لهما على الميت دين أو للميت عليهما دين بأن الميت أوصى إلى فلان أو الوصيين بأن الميت أوصى إلى فلان معهما كذلك أو الموصى له بأن الميت أوصى إلى فلان ففي الخمس إن ادعى قبلت وإلا لا وأورد على الرابعة بأن الميت إذا كان له وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى نصب آخر وأجيب بأنه يملكه لإقرارهما بالعجز عن القيام بأمور الميت ولا بد من كون الموت معروفا في الكل أي ظاهرا إلا في مسألة الغريمين للميت عليهما دين فإنها تقبل وإن لم يكن الموت معروفا؛ لأنهما يقران على أنفسهما بثبوت ولاية القبض للمشهود له فانتفت التهمة وثبت موت رب الدين بإقرارهما في حقهما وقيل معنى الثبوت أمر القاضي إياهما بأداء ما عليهما إليه لإبرائهما عن الدين بهذا الأداء؛ لأن استيفاء الدين منهما حق عليهما فيقبل منهما والبراءة حق لهما فلا يقبل فيها كذا في الكافي. وإنما لا تقبل شهادة الابنين في الوكالة مطلقا؛ لأنه ليس للقاضي ولاية نصب الوكيل عن الغائب إلا في المفقود فلو ثبتت هذه الولاية لكانت بشهادتهما وفيها تهمة؛ لأنهما يشهدان لأبيهما ولاحتمال التواضع على أخذ المال وقوله بقبض ديونه اتفاقي؛ لأنهما لو شهدا في غيبة أبيهما أنه وكله بالخصومة لم تقبل أيضا كما في الخلاصة وفرق بينهما في المحيط البرهاني من وجه آخر فقال وإذا شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل بقبض ديونه بالكوفة لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما بشهادتهما يعينان من يقوم بحقوق الأب واستيفائه فكانا شاهدين لأبيهما فلا تقبل شهادتهما ولكن هذا إن كان المطلوب يجحد الوكالة فأما إذا أقر المطلوب بها جازت الشهادة فرق بين هذه المسألة وبين مسألة ذكرها في كتاب الوكالة أن من وكل رجلا بالخصومة في دار بعينها وقبضها وغاب فشهد ابنا الموكل أن أباهما وكل هذا الرجل بالخصومة في هذه الدار وقبضها لا تقبل شهادتهما سواء جحد المطلوب الوكالة أو أقر بها ووجه الفرق أن في مسألة الدين المطلوب إذا كان مقرا بالوكالة يجبر على دفع المال بإقراره بدون الشهادة فإنما قامت الشهادة لإبراء المطلوب عند الدفع إلى الوكيل إذا حضر الطالب وأنكر الوكالة فكانت هذه الشهادة على أبيهما وشهادته على أبيه مقبولة أما في مسألة كتاب الوكالة المطلوب وإن كان مقرا لا يجبر على دفع الدار إلى الوكيل بحكم إقراره وإنما يجبر عليه بالشهادة فكانت واقعة لأبيهما فلا تقبل. ا هـ. وبهذا ظهر أن المؤلف ترك قيدا وهو إن جحد المطلوب وأشار إلى عدم قبول شهادة ابني الوكيل مطلقا بالأولى وكذا شهادة أبويه وأجداده وأحفاده كما في الخلاصة وعلى هذا فالابنان في الكتاب مثال والمراد عدم قبولها في الوكالة من كل من لا تقبل شهادته للموكل وبه صرح في البزازية ولم يقيد المصنف بغيبة الأب في شهادتهما بالوكالة؛ لأنه لو كان حاضرا لا يمكن الدعوى بها ليشهدا؛ لأن التوكيل لا تسمع الدعوى به؛ لأنه من العقود الجائزة لكن يحتاج إلى بيان صورة شهادتهما ما في غيبته مع جحد الوكيل؛ لأنها لا تسمع إلا بعد الدعوى ولم يظهر هنا لها وجه ويمكن أن تصور بأن يدعي صاحب وديعة عليه تسليم وديعته الموكل في دفعها فيجحد فيشهدان به ويقبض ديون أبيهما وإنما صورناه بذلك؛ لأن الوكيل لا يجبر على فعل ما وكل به إلا في رد الوديعة ونحوها كما سيأتي فيها. (فروع) شهد الوصي بعد العزل للميت إن خاصم لا تقبل وإلا تقبل ولو وكله بالخصومة عند القاضي فخاصم المطلوب بألف درهم عند القاضي ثم أخرجه الموكل عنها فشهد الوكيل أن للموكل على المطلوب مائة دينار تقبل ولو وكله عند غير القاضي فشهد على الوكالة فخاصم المطلوب بألف درهم وبرهن على الوكالة ثم عزله الموكل منها فشهد له على المطلوب بمائة دينار مما كان له عليه بعد القضاء بالوكالة لا تقبل كذا في البزازية ثم قال: وأما شهادة الوصي بحق للميت على غيره بعدما أخرجه القاضي عن الوصاية قبل الخصومة أو بعدها لا تقبل وكذا لو شهد الوصي بحق للميت بعدما أدركت الورثة لا تقبل ودلت المسألة على أن القاضي إذا عزل الوصي ينعزل ولو شهد لبعض الورثة على الميت إن كان المشهود له صغيرا لا يجوز اتفاقا وإن كان بالغا فكذلك عنده وعندهما يجوز ولو شهد لكبير على أجنبي تقبل في ظاهر الرواية ولو شهد للوارث الكبير والصغير في غير ميراث لم تقبل ولو شهد الوصيان على إقرار الميت بشيء معين لوارث بالغ تقبل ا هـ. وفيها أيضا ادعى دارا وبرهن وأبطل القاضي ببينة ثم جاء بعد ثلاثين سنة فشهدا أنها لآخر لا تقبل وكذا لو قال هذه الدار لفلان لا حق لي فيها ثم شهد أنها لفلان آخر لا تقبل ا هـ. وفي العتابية شهدا أن الميت أوصى لهما ولهذا تقبل في حق هذا ويضم إليه آخران ا هـ. وفيها ادعى الوكيل بالخصومة دينا بحضرة الموكل فادعى المدعى عليه قضاءه فشهد الوكيل بذلك لا تسمع؛ لأن دعواه أبطل شهادته وكذا وكيلها ادعى المهر على الزوج لم تقبل شهادته للزوج بالخلع. (قوله: ولا يسمع القاضي الشهادة على الجرح) وهو بفتح الجيم لغة من جرحه بلسانه جرحا عابه ونقصه ومنه جرحت الشاهد إذا أظهرت فيه ما ترد به شهادته كذا في المصباح وفي الاصطلاح إظهار فسق الشاهد فإن لم يتضمن ذلك إثبات حق لله تعالى أو للعبد فهو جرح مجرد وإن تضمن إثبات حق لله تعالى أو للعبد فهو غير مجرد والأول هو المراد من إطلاقه كما أفصح به في الكافي وهو غير مقبول مثل أن يشهدوا أن شهود المدعي فسقة أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بالزور أو على إقرارهم أنهم أجراء في هذه الشهادة أو على إقرارهم أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو على إقرارهم أنهم لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة وإنما لم تقبل؛ لأن البينة إنما تقبل على ما يدخل تحت الحكم وفي وسع القاضي إلزامه والفسق مما لا يدخل تحت الحكم وليس في وسع القاضي إلزامه؛ لأنه يدفعه بالتوبة ولأن الشاهد بهذه الشهادة صار فاسقا لأن فيها إشاعة الفاحشة بلا ضرورة وهي حرام بالنص والمشهود به لا يثبت بشهادة الفاسق ولا يقال إن فيه ضرورة وهي كف الظالم عن الظلم بأداء الشهادة الكاذبة وقال عليه السلام: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»؛ لأنا نقول لا ضرورة إلى هذه الشهادة على ملأ من الناس ويمكنه كفه عن الظلم بإخبار القاضي بذلك سرا إلا إذا شهدوا على إقرار المدعي أنهم فسقة أو شهدوا بزور أو نحوه لأنهم ما شهدوا بإظهار الفاحشة وإنما حكوا إظهارها عن غيرهم فلا يصيرون فسقة بذلك. وكذا الإقرار مما يدخل تحت الحكم ويقدر القاضي على الإلزام؛ لأنه لا يرتفع بالتوبة ولذا لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجرهم لأداء الشهادة لم تقبل؛ لأنه شهادة على جرح مجرد وأما الاستئجار وإن كان أمرا زائدا على الجرح ولكنه لا خصم في إثباته إذ لا تعلق له بالأجرة حتى لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم لأداء الشهادة وأعطاهم العشرة من مالي الذي كان في يده تقبل؛ لأنه خصم في ذلك ويثبت الجرح بناء عليه وكذا إذا أقام المدعى عليه البينة على أني صالحت الشهود على كذا من المال ودفعته إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل فإن شهدوا فعليهم أن يردوا ذلك المال على تقبل بينته لأن فيه ضرورة ليصل إلى ماله حتى لو قال لم أعطهم المال لم تقبل؛ لأن فيه إظهار الفاحشة من غير ضرورة، وأما الثاني أعني غير المجرد فهو كما لو أقام المدعى عليه البينة أنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد أو أنهم عبيد أو أحدهم عبد أو شريك المدعي وللمدعي مال أو قاذف والمقذوف يدعيه أو محدودون في القذف أو على إقرار المدعي أنه استأجرهم على هذه الشهادة تقبل لمكان الحاجة إلى إحياء هذه الحقوق وفيها إذا شهدوا أنهم محدودون في قذف ليس فيه إشاعة الفاحشة؛ لأن الإظهار حصل بالقضاء وإنما حكوا عن إظهار الفاحشة عن الغير كذا في الكافي بتمامه. (وهنا تنبيهات مهمة) يجب التنبيه عليها الأول أن النظر في الجرح المجرد وغيره إنما هو بعد التزكية الشرعية كما في السراج الوهاج فإذا سأل القاضي عن الشهود سرا وعلنا وثبت عنده عدالتهم فطعن الخصم فإن كان مجردا لم تقبل وإلا قبل ولكن عدم قبول الشهادة على الجرح المجرد أعم من أن يكون قبل التعديل أو بعده فإن قلت أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول شهادتهم والحكم بها قلت نعم لكن ذلك للطعن في عدالتهم لا لثبوت أمر يسقطهم عن حيز القبول ولذا لو عدلوا بعد هذا تقبل شهادتهم ولو كانت الشهادة على فسقهم مقبولة لسقطوا عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل ذكره ابن الكمال وفي شرح الوقاية لا تقبل الشهادة على الجرح المجرد إذا أقام البينة على العدالة أما إذا لم يقم البينة عليها فأخبر مخبر أن الشهود فساق أو أكلوا الربا فإن الحكم لا يجوز قبل ثبوت العدالة لا سيما إذا أخبر مخبران أن الشهود فساق. الثاني أن التفصيل إنما هو فيما إذا ادعاه الخصم وبرهن عليه جهرا أما إذا أخبر القاضي به سرا وكان مجردا طلب منه البرهان عليه فإذا برهن عليه سرا أبطل الشهادة لتعارض الجرح والتعديل عنده فيقدم الجرح فإذا قال الخصم للقاضي سرا أن الشاهد أكل الربا وبرهن عليه رد شهادته كما أفاد في الكافي كما قدمناه وظاهر كلامه أن الخصم لا يضره الإعلان بالجرح المجرد وإنما يشترط الإخبار سرا في الشاهد وفي الخانية يمكن دفع الضرورة من غير هتك الستر بأن يقول شاهد الجرح ذلك للمدعي سرا أو يقول للقاضي في غير مجلس الحكم فلا يباح إظهار الفاحشة من غير ضرورة ا هـ. الثالث: أن قولهم إذا تضمن حقا من حقوق الشرع لم يكن مجردا شامل لما إذا تضمن التعزير حقا لله تعالى فعلى هذا لو برهن أن الشاهد خلى بأجنبية تقبل لتضمنه إثبات التعزير لكن الظاهر أن مرادهم من الحق الحد فلا يدخل التعزير لقولهم وليس في وسع القاضي إلزامه؛ لأنه يدفعه بالتوبة؛ لأن التعزير حق لله تعالى يسقط بالتوبة بخلاف الحدود لا تسقط بها فوضح الفرق ويدل عليه أنهم مثلوا للمجرد بآكل الربا مع أنه يوجب التعزير وبإقرارهم بالزور مع أنه يوجب التعزير فتعين إرادة الحدود فقط الرابع أنهم جعلوا من المجرد هم زناة شربة الخمر ومن غيره أنهم زنوا أو شربوا الخمر فيحتاج إلى الفرق بينهما فقال الشارح يحمل الأول على ما إذا تقادم العهد والثاني على ما إذا لم يتقادم وإلا فلا فرق بينهما الخامس أنه لا يدخل تحت الجرح ما إذا برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو أنهم أجراء أو لم يحضروا الواقعة أو على أنهم محدودون في قذف أو على رق الشاهد أو على شركة الشاهد في العين كما قدمناه ولذا قال في الخلاصة للخصم أن يطعن بثلاثة أشياء أن يقول هما عبدان أو محدودان في قذف أو شريكان فإذا قال هما عبدان يقال للشاهدين أقيما البينة على الحرية وفي الآخرين يقال للخصم أقم البينة أنهما كذلك ا هـ. فعلى هذا الجرح في الشاهد إظهار ما يخل بالعدالة لا بالشهادة مع العدالة فإدخال هذه المسائل في الجرح المقبول كما فعل ابن الهمام مردود بل من باب الطعن كما في الخلاصة وفي خزانة الأكمل لو برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو بما يبطل شهادتهم يقبل وليس هذا بجرح وإنما هو من باب إقرار الإنسان على نفسه ا هـ. السادس أن الإمام الخصاف لم يفرق بين المجرد وغيره في القبول إحياء للحقوق ولما كان مخالفا لصريح المذهب حمله المشايخ على ما إذا برهن على إقرار المدعى به أو على التزكية كما ذكره الشارح ومعنى قولهم أو على التزكية بأن يجعل كشاهد زكاه نفر وجرحه نفر ورده في فتح القدير بأن تقدم رده يعني لا ضرورة إلى إظهاره. السابع أن قولهم لو برهن على أن الشاهد شريك المدعي محمول على الشركة عقدا فمهما حصل من هذا الباطل يكون له فيه منفعة لا أن يراد أنه شريك في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى به لهما. الثامن لو طعن الخصم بأنه ابن المدعي أو أبوه أو أحد الزوجين أو مملوكه تقبل كما في العناية. والحاصل أن الطعن بما لا يكون فسقا بل رد الشهادة للتهمة مقبول ومنه ما إذا برهن أن الشاهد كان وكيلا عن المدعي وخاصم كما في السراج الوهاج وعلى هذا لو برهن أن الشاهد عدوه بسبب الدنيا تقبل إذا قلنا أن المنع من شهادته عليه للتهمة وإن قلنا للفسق لا تقبل وينبغي أن يكون الطعن بما يخل بالمروءة مما لم يكن فسقا مقبول. التاسع أن الجرح المجرد إذا تضمن دفع ضرر عام يقبل ولذا قال في المعراج فإن قيل أليس أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اذكروا الفاسق بما فيه» قلنا هو محمول على ما إذا كان ضرره يتعدى إلى غيره ولا يمكن دفع الضرر عنه إلا بعد الإعلام ا هـ. وعلى هذا يجوز إثبات فسق رجل عند القاضي إذا كان ضرره عاما كرجل يؤذي المسلمين بيده ولسانه ليمنعه من ذلك ويخرجه عن البلد وفي كراهية الظهيرية رجل يصلي ويضر الناس بيده ولسانه فلا بأس بإعلام السلطان به ليزجره ا هـ. وقد وقعت حادثة بالقاهرة أن ثلاث إخوة ببولاق شهد جمع كثير عليهم بأنواع من الفسق وإيذاء الناس والتزوير فأفتيت بقبول الشهادة ليزجرهم الحاكم دفعا للضرر العام فزجرهم وكان في شهر رمضان العاشر من البزازية من فصل التحليف طعن المدعى عليه في الشاهد بأنه كان ادعاها لنفسه ورام تحليفه لا يحلف وإن برهن تقبل ا هـ. فعلى هذا كل طعن يقبل عند البرهان لا تحليف عليه عند عدمه على الشاهد وعلى المدعي وهل يقبل إقرار الشاهد به ويصير كالبرهان لم أره وينبغي القبول ولذا قال الزيلعي لو برهن على إقرار الشهود أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه الحق تقبل ا هـ. ولا يعارضه قوله لو برهن على إقرار الشهود أنهم شهدوا بالزور أو أنهم أجراء في هذه الشهادة أو أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو أنهم لا شهادة لهم فإنها لا تقبل وقدمناه الحادي عشر أنا قدمنا أن المدعى عليه إذا ادعى أنه دفع لهم مالا لئلا يشهدوا عليه بهذا الباطل وطلب استرداده أو ادعى أن المدعي دفع له من مالي كذا ليشهدوا عليه وطلب رده وبرهن تقبل فقلت وكذا إذا ادعى أجنبي أنه دفع لهم كذا لئلا يشهدوا على فلان بهذه الشهادة وطلب رده وثبت إما ببينة أو إقرار أو نكول فإنه يثبت به فسق الشاهد فلا تقبل شهادته وقيد بدفع المال ومفهومه لو ادعى المدعى عليه أنه استأجرهم لئلا يشهدوا عليه ولم يدع دفع المال فأقروا لم تسقط العدالة وبه صرح الشارحون الثاني عشر أن الطعن برقهما لا يتوقف على دعوى سيدهما وأن إثباته لا ينحصر في الشهادة بل إذا أخبر القاضي برقهما أسقط شهادتهما والأحسن أن يكون بالشهادة وإذا سألهما القاضي فقالا أعتقنا سيدنا وبرهنا ثبت عتق السيد في غيبته فإذا حضر لا يلتفت إلى إنكاره كما في خزانة الأكمل، وأما الجرح بأنه قاذف فإنه يتوقف على دعوى المقذوف كما أشار إليه في فتح القدير. (قوله: ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض شهادتي تقبل لو كان عدلا) لأنه قد يبتلى بالغلط لمهابة مجلس القاضي فوضح العذر فيقبل إذا تداركه في أوانه وهو عدل أي ثابت العدالة عند القاضي أو لا وسأل عنه فعدل كذا في فتح القدير يعني هو احتراز عن المستور لا عن الفاسق لأن الفاسق لا شهادة له قيد بقوله ولم يبرح أي لم يفارق مكانه كما في المصباح؛ لأنه لو قام لم يقبل منه ذلك لجواز أنه غره الخصم بالدنيا وترك المؤلف قيدا مذكورا في المحيط البرهاني هو إذا لم يكذبه المشهود له وجعل فيه إطالة المجلس كالقيام عنه وهو رواية هشام عن محمد وقيد جواب المسألة بأن يكون قبل القضاء أما بعد فإن قالوا بعد القضاء بالدار لا ندري لمن البناء فلا ضمان عليهم للشك وإن قالوا ليس البناء له ضمنوا قيمته وسيأتي إيضاحه أيضا. ولم يذكر المؤلف معنى القبول للاختلاف فيه ففيه يقضي بجميع ما شهد به؛ لأنه صار حقا للمدعي فلا يبطل بقوله أوهمت واختاره في الهداية لقوله في جواب المسألة جازت شهادته وقيل يقضي بما بقي إن تدارك بنقصان وإن بزيادة يقضي بها إن ادعاها المدعي لأن ما حدث بعدها قبل القضاء يجعل كحدوثه عندها وإليه مال شمس الأئمة السرخسي واقتصر عليه قاضي خان وعزاه إلى الجامع الصغير وعلى هذا معنى القبول العمل بقوله الثاني فعلى الأول يقرأ المتن بالتاء تقبل أي الشهادة وعلى الثاني بالياء أي يقبل بقوله أوهمت وقيد المصنف في الكافي تبعا للهداية بأن يكون موضع شبهة كالزيادة والنقصان في قدر المال أما إذا لم يكن فلا بأس بإعادة الكلام مثل أن يدع لفظ الشهادة وما يجري مجراه وإن قام عن المجلس بعد أن يكون عدلا وعن أبي حنيفة وأبي يوسف القبول في غير المجلس في الكل والظاهر الأول وعلى هذا لو وقع الغلط في ذكر بعض الحدود أو في بعض النسب ثم تذكر ذلك تقبل؛ لأنه قد يبتلى به في مجلس القاضي ا هـ. وإنما يتصور ذلك قبل القضاء؛ لأن لفظ الشهادة وبيان اسم المدعي والمدعى عليه والإشارة إليها شرط القضاء وأطلق المؤلف القبول فشمل ما إذا كان بعد القضاء وبه صرح في النهاية معزيا إلى أبي حنيفة وأبي يوسف وعليه الفتوى كما في الخانية ولا يضمن إذا رجع بعد القضاء جزما كما في المعراج ومعنى قوله أوهمت أخطأت بنسيان ما كان يحق علي ذكره أو بزيادة كانت باطلة كما في الهداية وفي المصباح أوهم من الحساب مائة مثل أسقط وزنا ومعنى وأوهم من صلاته ركعة تركها ا هـ. وقول الشاهد شككت أو غلطت أو نسيت مثل أوهمت كما في المعراج وفي البزازية ولو غلطوا في جد أو جدين ثم تداركوا في المجلس أو غيره يقبل عند إمكان التوفيق بأن يقولوا كان اسمه فلانا ثم صار اسمه فلانا أو باع فلان واشتراه المذكور ا هـ. وظاهر قوله بعض شهادتي يفيد أنه لو قال أوهمت الحق إنما هو لفلان آخر لا هذا لم يقبل ولذا قال في السراجية شهدا أنه سرق من هذا ثم قالا غلطنا سرق من هذا لم يقض بشهادتهما؛ لأنهما أقرا بالغفلة ولم يعلل بأن الحد يدرأ بالشبهة فظاهره أنه في غير السرقة كذلك للتعليل بالغفلة وظاهر الولوالجية أنه لا قطع ولا ضمان مال قال بخلاف ما إذا أقر أنه سرق من هذا مائة ثم قال غلطت إنما سرقت مائة من هذا فإنه لا يقطع ويلزمه المالان وفي الخانية ثلاثة شهدوا في حادثة ثم قال أحدهم قبل القضاء أستغفر الله قد كذبت في شهادتي فسمع القاضي ذلك القول ولم يعلم أيهم قال فسألهم القاضي فقالوا كلنا على شهادتنا قالوا لا يقضي القاضي بشهادتهم ويقيمهم من عنده حتى ينظروا في ذلك فإن جاء المدعي باثنين منهم في ذلك اليوم الثاني يشهدان بذلك جازت شهادتهم ا هـ. وفي المحيط البرهاني شهدا أن له عليه درهما أو درهمين جازت على درهم ولو كان في يده درهمان صغير وكبير وأقر بإحداهما لرجل ثم جحد فشهدا بذلك جازت على الصغير منهما استحسانا سواء أقر بإحداهما بغير عينه أو بعينه ثم نسياه وكذا المكيل كله والموزون كله إذا كان صنفا واحدا يقضي بالأوكس وإذا اختلف النوعان أبطل الإقرار وكل شيء يضمن فيه القيمة وقد صارت دينا فعليه أوكس القيمتين نحو أن يشهدا أنه غصب منه ثوبا هرويا أو مرويا وأحرقه قالا سمي لنا هكذا أو سمي لنا أحدهما بعينه فنسيناه ا هـ. والله تعالى أعلم.
|